عندما اقترحت فى مقالين سابقين إتاحة الفرصة لأعضاء من تنظيم الجهاد الإسلامى المعارضين للمراجعات لمناقشة صاحبها سيد إمام الشهير بالدكتور فضل، كما طلبوا وتحدوا، وإشراك علماء دين ومفكرين إسلاميين فيها سألنى البعض، ولماذا يتم استبعاد المثقفين من الذين ينتمون لاتجاهات سياسية مختلفة من الاشتراك فى المناقشات؟.. والحقيقة أن هناك مشكلة حقيقية تواجه المثقفين من خارج التيار الإسلامى، عندما يتصدون لمناقشة أفكاره بأجنحته المختلفة من إخوان مسلمين.. أو سلفيين أو الجماعة الإسلامية والجهاد.. وما تفرع عنهما.. وهى أنهم لم يدرسوا الأسس والمنطلقات الفكرية لهذا التيار بشكل معمق.. وهى القرآن الكريم.. والسُنة النبوية الشريفة وتفسير الأحاديث، والمذاهب الأربعة عند أهل السُنة.. واجتهادات السلف، وغيرها من المصادر الحديثة التى يستمد أنصاره أفكارهم منها.. وتصل لدى بعضهم إلى حد التقديس الذى لا يقتصر على القرآن والسُنة المؤكدة فقط. صحيح أن هناك مجموعات من المثقفين قرأت القرآن وحفظت بعض آياته والأحاديث النبوية.. سواء بحكم دراستها أو تدينها.. أو ارتباطها بعدد من علماء الدين ودُعاته.. ولكن هذه المجموعات لا تميل إلى الاشتباك فى خصومة عنيفة مع التيار الإسلامى.. ولكن ذلك لا يعنى أن أنصار التيار الإسلامى يعبرون بصدق وفهم عن الإسلام.. لأن الكثيرين من أعضاء الجماعات بالذات.. لم تتوافر لهم الدراسة الكافية.. والفهم الحقيقى لآيات القرآن، التى استندوا إليها فى تحديد مواقفهم.. وكذلك الأحاديث، وكتب السلف.. وهو ما أوضحه علماء كثيرون، بل اعترفوا هم بخطئهم فى المراجعات التى قاموا بها.. ولهذا لا أجد أى مبرر، لأن يشتبك المثقفون من خارج التيار الإسلامى معهم فى القضايا الدينية، فهذه مهمة العلماء الثقات.. وإنما تكون المناقشات معهم فى القضايا السياسية والاقتصادية والاستماع إلى وجهات نظرهم فيها، إذا كانوا قد توصلوا إلى رؤية ما، حتى وإن كانت تنطلق من الدين فلينادوا بخلافة إسلامية واقتصاد إسلامى وتطبيق الشريعة كاملة.. فهذا حقهم.. وكثيرون ينادون به من خارج التيار الدينى. وهناك مؤسسات اقتصادية ممثلة فى البنوك الإسلامية.. بل إن النظام الحالى هو الذى سمح بقيام أول عملية نصب على الشعب باسم الدين ممثلة فى شركات توظيف الأموال وتحت رعاية بعض مسؤوليه، فإذا قبل من قاموا بالمراجعات من الجماعة الإسلامية.. ومن الجهاد.. تنظيم مناقشات حول القضايا السياسية فقط.. مع مثقفين من مختلف الاتجاهات -فسنكون أمام عملية تؤدى لا إلى مصداقية المراجعات الفقهية والدينية التى قاموا بها، بل تدعيمها. لأن عليهم التسليم من البداية بالإيمان بالتعددية السياسية والحزبية، وأنها الطريق الوحيد لحياة ديمقراطية، وتداول السلطة بواسطتها، والقبول بحكم الأغلبية الشعبية التى تفرزها الانتخابات النزيهة.. لأن إعلانهم الإيمان بهذه المبادئ يعنى الطلاق الحقيقى والنهائى للعنف وفرض الرأى بالقوة.. لأن التخلى عن العنف استناداً لتفسيرات دينية، غير كاف، ويحمل شبهة الارتداد عنه فيما بعد.. بينما تركه لإيمان سياسى، هو الأضمن للبقاء.. ولكن ذلك بدوره يتوقف علي شرط آخر، وهو البحث عن صيغة لإشراك أفراد هذه الجماعات فى النشاط السياسى العلنى.. فالمشكلة لن تنتهى ما لم يتم دمجهم فى الحياة السياسية والاجتماعية وهذه قضية أخرى تحتاج إلى تفكير.. وأعتقد أنها مسؤولية الأحزاب السياسية مثل «الوطنى»، و«الناصرى»، و«الوفد»، و«الجبهة الديمقراطية».. التى عليها استضافة شخصيات من الجماعة الإسلامية و«الجهاد»، وتنظيم لقاءات وندوات معهم، أما إذا قام حزب «التجمع» اليسارى المعارض باستضافتهم فسيكون عمله الأكثر إثارة وأهمية.. فما الذى يمنع هذه الأحزاب من الإقدام على خطوة كهذه.. قد تفيدها فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة؟!