نواصل اليوم الحديث عن شروط النهضة ومجابهة التحديات التى نواجهها والتى تعرضنا لها فى المقالين السابقين شروط النهضة: نصل إلى حلول جذرية للمشاكل العديدة المرتبطة بكل واحدة من تلك التحديات والمتشعبة عنها، لابد من توفير الشروط التالية: أولاً استراتيجية للمستقبل: من غير الجائز أن نطمح إلى التقدم دون أن تكون لنا استراتيجية شاملة نتجه بها إلى المستقبل ولم يحدث على مدى التاريخ الإنسانى كله أن حققت أمة أهدافها دون أن يكون لها مثل هذه الاستراتيجية الشاملة. وفيما يلى تصورنا لعناصر استراتيجية مصرية للخمسين عاماً القادمة: 1 التصنيع على أوسع نطاق ممكن بما يتطلبه ذلك من برامج تكنولوجية وهياكل فعالة للتصنيع وللتمويل والتحديث والتسويق. 2 التحديث الشامل للزراعة والإدارة والخدمات تعظيماً للإنتاج والإنتاجية لزيادة العائد الإجمالى من موارد محدودة. 3 تطوير التعليم وتخطيطه ليحقق أهداف التنمية ويخدم أولوياتها. 4 التصدى لمشكلة زيادة عدد السكان من خلال برامج واسعة النطاق للتحفيز الإيجابى. 5 الخروج للصحراء من خلال مجتمعات زراعية صناعية ذات مستويات تكنولوجية متقدمة، وتشكيل كتائب استزراع الصحراء وإيجاد كثافة سكانية بسيناء بالذات لاتقل عن خمسة ملايين مصرى. 6 الانفتاح الاقتصادى على العالم العربى، جلباً للاستثمارات وفتحا لأبواب العمل وفرصه التعاقدية والمؤسسية.. وتبنى قضية السوق العربية المشتركة، مع العمل على حل المشاكل التى تحول دون تطوير برامج التعاون والتكامل مع كل من السودان وليبيا والسعودية على وجه الخصوص. ثانياً آليات فعالة للتطبيق: 1 التخطيط السليم الذى يأخذ بأولويات القاعدة العريضة من المجتمع مع توزيع المشاريع والبرامج التنموية على المناطق الأكثر فقراً لتحقيق عدالة توزيع عوائد التنمية بشكل أفضل. 2 المتابعة الدقيقة والتقييم المستمر لتحقيق أكبر عائد ممكن من الاعتمادات والاستثمارات والأخذ بمبدأ الثواب والعقاب فى جميع الوحدات الإنتاجية والخدمية. 3 التنسيق المحكم بين مختلف الأجهزة العاملة فى مجالات التنمية لتلافى الازدواجية وضياع الوقت والجهد. 4 تنمية الجهود الذاتية والتعاونية والشعبية مع الاحتفاظ بأكبر درجة من الشفافية بين أجهزة التنفيذ والمواطنين وبناء جسور الثقة من خلال الاهتمام المستمر بالخدمات، وتجنب الوعود التى لا يمكن تحقيقها. 5 تعميم ونشر التكنولوجيا الملائمة على أوسع نطاق ممكن فى جميع مجالات الإنتاج والخدمات. ثالثاً إصلاح إدارى شامل: يأخذ بأسباب التخطيط السليم والتحديث المستمر، والتدريب المتواصل والتحفيز الإيجابى العادل، ويعتمد على نظم متطورة للمعلومات وللاستقراء بما يتيح التنسيق بين مختلف الوحدات والقطاعات ذات العلاقة، ويحقق التكامل المرغوب بين مختلف الإمكانيات والموارد. ولابد أن يتم الإصلاح الإدارى فى جميع جوانب النشاط الخدمى والإنتاجى لإحداث التفاعل المطلوب بين الفرد والمجتمع للوصول بأسرع ما يمكن إلى نقطة الانطلاق الاقتصادى والاجتماعى. رابعاً مصداقية ديمقراطية: لم يعد من المقبول لدى الجماهير أن توزع الوعود، وتنثر العهود، بلاسند من حقيقة أو واقع، فأقصر طريق إلى قلوب الناس وعقولهم هو طريق الصدق، وخير لنا وللناس جميعاً، أن تكون الحقيقة ملء القلوب و العيون، والديمقراطية هى خير وسيلة لتحقيق المصداقية المطلوبة والديمقراطية هى خير ضمان لتحقيق الاستقرار، والاستقرار هو مدخل التنمية، التى هى هدفنا المنشود وطموحنا المأمول. وليس معنى الاستقرار أن تبقى الحال على ما هى عليه بحجة أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، بل إن معناه الأشمل هو قدرة المجتمع على إحداث التغييرات، التى تقرها الأغلبية وتتفق عليها داخل إطار الشرعية والقانون. الاستقرار هو أن يواصل المجتمع تقدمه، مصححاً لأخطائه، معظماً لقدراته، مجابهاً لمشاكله، دون أن تهتز عمده أو يهدد كيانه أو تهدر سلامته أو تستباح أعرافه وحرماته. والديمقراطية تكفل التقدم وتسمح بالتصحيح، وهى فى واقع الأمر حماية للحاكم والمحكوم معاً. لأنه فى ظلها الظليل يصبح الحاكم هو المحكوم الوحيد. ويتضح من كل ما تقدم أن الطريق إلى تقدم مصر، وتحقيق نهضتها ليس مفروشاً بالورود، فإحداث النهضة وإدارة التنمية والوصول إلى التقدم ليست أموراً اعتباطية أو عفوية، أو صيحات حماسية يطلقها أصحاب النوايا الحسنة، إنما النهضة محصلة منطقية لعناء جماعى بالغ، وأخذ شديد بمقاييس العلم والعدل، وبأسباب العمل الشاق والإنتاج المتزايد والإنجاز المتعاظم استهدافاً لصالح المجتمع ككل، وتحقيقاً لطموحات أفراده المشروعة، وهكذا وعت الدرس.. كل الشعوب النابهة والأمم الناهضة.. فهل آن لنا أن نكون هذا الشعب.. وهل آن لنا أن نكون هذه الأمة؟