أديب وقانونى وحقوقى ومؤرخ.. ودعهم عام 8002 الذى رحل أمس، الأربعة اغترفوا معارفهم من مشارب ثقافية مختلفة ولكن جمع بينهم عشقهم للصحافة وتسطير صفحاتها بنتاجهم الفكرى الجزل والمهنى الرصين. كامل زهيرى، الملقب ب«نقيب النقباء» كثيراً ما تهافت تلامذة الصحافة ومحترفوها على مائدة فكره الوضاء الذى جمع بين الوعى القانونى، الذى اكتسبه من دراسته فى باريس، وبين الفقه الصحفى المتمرس الذى تشكل فى وعاء موسوعى جمع بين معارف شتى وثقافات متباينة جمعت بين حلم الشرق ونهضة الغرب. أنشأ زهيرى من خلال ضميره المهنى اليقظ درعاً واقياً تمترس به الصحفيون فى زمن الشدائد الذى دبرت فيه السلطة الحاكمة مكائدها لتوجيه سهام غادرة لأعز ما تملكه الصحافة.. الحرية.. بتشريعات مشبوهة، فضلاً عن تصديه لفكرة السادات بتحويل نقابة الصحفيين إلى ناد، رافعاً فى كل معاركه الضارية شعار: «بالسلم كلما أمكن، وبالحرب إذا لزم». شارك زهيرى فى وضع القانون القائم لنقابة الصحفيين والذى يضمن لهم حقوقاً نقابية واسعة، كما ساهم من خلال رئاسته لاتحاد الصحفيين العرب فى إنشاء نقابات للصحفيين فى تسعة بلاد عربية. تبنى صلاح الدين حافظ، أمين عام اتحاد الصحفيين العرب، طوال حياته المهنية مواقف سياسية مستقلة وظل يدافع عن الحريات العامة والحريات السياسية وحرية التعبير وعن العدالة الاجتماعية وينتقد السلطة السياسية بجرأة حيث ساهم فى تسعينيات القرن الماضى بتأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان. ألف صلاح الدين حافظ خلال مسيرته الأدبية والصحفية 51 كتاباً، خصص آخرها، وكان بعنوان «تحريم السياسة وتجريم الصحافة»، لانتقاد ظاهرة غياب الحريات فى مصر. وفى كتابه الأخير قال: «الصحافة فى جوهرها تشتغل بالسياسة، والسياسة من ناحيتها تمارس الصحافة، والمعنى هنا أن الصحفيين سياسيون بالضرورة، والسياسيين صحفيون بحكم العمل». «افتح عينيك لترى الحياة من حولك، وأغلب الظن أنك لا ترى إلا ما تفكر فيه ويسيطر على عقلك وحياتك»، إحدى العبارات المأثورة التى صاغها رجاء النقاش، أحد أبرز النقاد الأدبيين العرب، الذى كان رمزاً للصحافة الأدبية شارك بأعماله فى ترسيخ حركة النقد العربى، التى امتزجت فيها الدراسة والتحليل عبر كتاباته فى الصحف والمجلات المصرية والعربية والكتب النقدية، فضلاً عن تجربته الصحفية. عمل رجاء النقاش بالصحافة منذ عام 3591، حيث اختاره زكريا الحجاوى ليعمل فى جريدة «الجمهورية» عندما كانت تحت الإنشاء، وكان يعمل فى بداية حياته فى قسم التصحيح، وكان طالباً فى الجامعة فى تلك الفترة وبأشد الحاجة لمثل هذا العمل نظراً لضيق ذات اليد ولكن راتبه الذى لم يتجاوز 01 جنيهات فى الشهر ساعده على إكمال تعليمه الجامعى. تعرض النقاش بعد فترة قصيرة من صدور الجريدة للفصل، فرشحه أنور المعداوى للعمل فى المجلة الأسبوعية وكان عمله مراجعاً لكل المادة التى تنشر فيها. وعمل فى سوريا وقطر، وعاد إلى مصر كاتباً بمجلة «المصور» فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى ثم تولى رئاسة تحرير مجلة «الكواكب» فى التسعينيات، وفى السنوات الأخيرة أصبح كاتباً متفرغاً بصحيفة «الأهرام». واستقبل الصحفيون العام الماضى بوفاة مؤرخهم الصحفى المستنير جمال بدوى، الذى مزج بين قصص التاريخ بأسلوبه الرائق السلس، وفقه الواقع، بإيجاز غير مخل وتطويل غير ممل ويعد من أشهر المؤرخين فى العصر الحديث، وكتب فى الشأن العام والتاريخ والسياسة والفكر، وقدم البرامج فى الإذاعة والتليفزيون الذى كان يحاضر فيه ولقب ب«شيخ الصحافة المتحرر».
