أشار الأستاذ الدكتور مراد وهبة إلى مقالى «فيم نتفق وفيم نختلف»، ويبدو أن المجال لم يتسع لشرح فكرتى عن النسبى والمطلق التى أسلم بها تمامًا، بل أرى فيها إثباتاً للمطلق الذى لا تكون هناك نسبية إلا بوجوده، وقلت إن هذا المطلق هو الله. لو اتسع المجال لقلت إن الله تعالى فى إدارته للكون وضع «سنناً»، ومبادئ لها أصالة ما يمكن أن يأتى من الله، وجعل اتباع هذه السنن يؤدى إلى الفلاح ومخالفتها يؤدى إلى الضلال وأعطى الإنسان حرية الاختيار، ولم يتدخل فى الحياة الدنيا التى أوكل أمورها إلى السنن، ولكن احتفظ بحق الثواب والعقاب فى الآخرة، وليس هناك ما هو أصرح من قوله «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» وأصرح منها «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا»، وليس فى هذا الالتزام الإلهى ما يغض من قدرته، لأنه هو الذى وضعها وهو الذى «كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ». النقطة التى حدث فيها لبس هى الشريعة، إذ اعتبرها الدكتور مراد من المطلق لوجودها فى القرآن، وأنا لا أعتبرها من المطلق لأنها تتعلق بالدنيويات فاختلفت فى طبيعتها عن المطلق، وعندما قام عمر بن الخطاب باجتهاداته لم يستشعر أى حساسية، ولا خالف الله، لأنه إنما طبق ما أراده الله من الالتزام بالسنن، التى تجعل العدالة هى روح الشريعة، إن المطلق هو وحده ذات الله تعالى التى لا يدركها العقل، وسلم الفيلسوف «كانت» بذلك، واعترف معظم الفلاسفة بوجود الله وقدموا تعريفات عامة تقارب ما جاء به القرآن، ولكنها لا تصل إلى ذات الله. وأنا لا أختلف مع الدكتور مراد فى أن هناك نسبيًا ومطلقا، وأن أمور الدنيا كلها تتبع النسبى، ولكن هذا لا يتناقض مع وجود الله وقدرته على كل شىء، لأن الله تعالى هو الذى أراد هذا، عندما وضع السنن التى تصلح عليها الأشياء، وعندما حرص على الحرية الفردية، عندما أرجأ الحساب والعقاب إليه وحده فى الآخرة. أما ما ذكره عن «احتمال تعدد المطلقات»، فهذا مستبعد تمامًا، لأننا قلنا إن المطلق الوحيد هو الله، ومن البلاهة أن يظن أن هناك إلهًا للمسلمين، وإلهًا آخر للمسيحيين، وثالثاً للبوذيين أو اليهود.. إلخ، إن الله واحد وهو خالق الكون كله وإله الكون كله، أما ما تعرضه المؤسسات الدينية والكنائس، فهذا فهمها الدنيوى، الذى تطرحه على المطلق، وهى المسؤولة عنه، ولا هو يخل بالبناء النظرى الذى قدمناه عن العلاقة ما بين النسبى والمطلق، كما أن ما تذهب إليه لم يعد الصوت الوحيد فقد نادينا بأن الأديان لا ينسخ بعضها بعضًا ولكن يكمل بعضها بعضًا، وأن من يغير دينه من مسيحية إلى إسلام، أو من إسلام إلى مسيحية لم يهرب من الله إلا إلى الله، وأن هذه الحواجز بين الأديان هى من صنع المؤسسات الدينية المنتفعة أدبيًا وماديًا منها. ■ الأستاذ الدكتور محمد السيد سعيد.. سعد قراؤك بشفائك وبمتابعة «آخر ضوء» بعد احتجابه متعكم الله بالصحة والعافية لتواصلوا كتاباتكم الكاشفة عن الحقيقة والهادية للصواب.
