تصاعدت فى الآونة الأخيرة حدة الهجوم من حركة حماس الفلسطينية على مصر، بسبب إغلاق معبر رفح، وتزامن هذا الهجوم مع انتقادات مماثلة من إخوان حماس فى إيران وسوريا وحزب الله فى لبنان، إلا أن حماس فى هجومها لم تذكر شيئا عن تحملها مسؤولية ما يحدث فى قطاع غزة، والمعاناة التى أصابت سكان القطاع منذ أن فرضت سيطرتها عليه بعد معارك مسلحة مع فتح فى يونيو 2007، كما أهملت تماما الجهود التى تبذلها مصر لإعادة الوفاق الوطنى بين فتح وحماس والحفاظ على التهدئة مع إسرائيل. وقد عملت حماس، منذ فرض سيطرتها على غزة بالقوة المسلحة، على استغلال الأزمة الإنسانية لسكان القطاع والعمل على زيادة معاناتهم، بغرض تحقيق مكاسب ومصالح شخصية، وجاء ذلك على حساب حوالى واحد ونصف مليون فلسطينى يعيشون فى مأساة إنسانية، بسبب الحصار، بينما ينعم قيادات حماس بحياة طبيعية لا ينقصهم فيها أى مواد غذائية أو طبية، وكأنهم يعيشون خارج القطاع. وبدلاً من مشاركة سكان القطاع فى معاناتهم، يُحمّل قادة حماس مصر مسؤولية معاناة الغزاويين. ووصلت المزايدة على الدور المصرى إلى حد مطالبة المتحدث الرسمى لحماس بتغيير الوساطة المصرية بوسيط «محايد»، ولكن يبدو أن الحركة ترفض حياد مصر وحرصها على مصلحة الشعب الفلسطينى الذى يعانى الانقسام والاحتلال، وتفضل وسيطا آخر يكون أكثر انحيازاً لمطالبها ورغباتها. وعملت الحركة على إفشال كل الجهود المصرية التى تبذل منذ أكثر من عام، من أجل إقامة حوار وطنى بين فتح وحماس، يعيد الوحدة إلى الأراضى الفلسطينية. وتركز حماس وإخوانها على منفذ رفح وادعائهم مساهمة مصر فى معاناة الشعب الفلسطينى ومنع المساعدات الغذائية من دخول غزة، وهو ما يخالف حقيقة أن المعبر طبقاً للاتفاقيات والمعاهدات الرسمية مخصص لعبور الأفراد فقط، وعلى الرغم من ذلك فقد قامت القيادة السياسية، على مسؤوليتها، بفتح المعبر أمام شاحنات المساعدات التى قدمت من قبل الهلال الأحمر ومؤسسات مصرية غير حكومية فى إطار تنسيقى لتخفيف معاناة الفلسطينيين فى غزة. كما تعاملت مصر بحكمة وإنسانية فى الوقت الذى اقتحمت فيه حماس وأنصارها معبر رفح بالقوة وانتهكوا الأراضى المصرية، واعتدوا على قوات الأمن. وتركت مصر عناصر حماس وسكان غزة يحصلون على ما يحتاجونه من بضائع من سيناء طوال أسبوع كامل. وخلال العشرة شهور الماضية، سمحت مصر بمرور مساعدات تقدر بحوالى 50 مليون دولار. كما سمحت بعبور أكثر من 20 ألف فلسطينى من رفح من طلبة الجامعات والمرضى أصحاب الحالات الحرجة بالإضافة إلى الحجاج والمعتمرين. ويبدو أن عيون وألسنة حماس وإخوانها لا تتجه سوى نحو الأراضى المصرية ومعبر رفح، ويتجاهلون وجود منافذ أخرى للقطاع مع إسرائيل أو مع الأردن عبر الضفة الغربية، التى جعلت منها حماس دولة معادية. ولم يحدث أن شاهدنا هجوماً أو محاولة لإحراج حكومات تلك الدول مثلما يحدث مع مصر. كما أن الادعاءات والمزايدة على الدور المصرى وإجراء مقارنات غير مناسبة، مثل استخدام سفن فك الحصار، تتجاهل أن مرور هذه السفن مرهون بتصريح الحكومة الإسرائيلية، والسفينة التى لا تحصل على ذلك التصريح لا يمكنها المرور، مثل السفينة الليبية التى تم منع دخولها. ومع كل هذا الهجوم والانتقادات التى تتلقاها مصر بدلا من الشكر، فإن القيادة المصرية مازالت تواصل جهودها لإقناع إسرائيل بالحفاظ على التهدئة وعدم التصعيد العسكرى، وكذلك تسهيل الوضع الإنسانى فى قطاع غزة. وبالأمس التقى الرئيس حسنى مبارك ووزير الخارجية أحمد أبوالغيط، وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبى ليفنى التى هددت بإسكات الصواريخ التى تطلقها حماس من غزة على جنوب إسرائيل. ومنحت تصرفات حماس، إسرائيل، الحجة لتقول إن ما يمنع السلام وإقامة الدولة الفلسطينية هو الوضع فى غزة. ورغم الجهود التى تبذلها مصر لإقناع حماس وإسرائيل بالعودة إلى التهدئة فإن استمرار احتدام المواجهة بين الطرفين والتصعيد يجعل إمكانية نجاح هذه الجهود ضعيفة جدا.