ونشأ – والحال هكذا – نمط جديد من الاستهلاك المصرى. هو ملابس المحجبات، وهي تشمل فى متاجرها الكثيرة المنتشرة بطول البلاد وعرضها ملابس المنتقبات التى تصطبغ باللونين الأسود أو البنى فقط! وتطورت هذه الملابس بسرعة مدهشة حقاً. وتنوعت أذواقها وأشكالها. وآخرها (الإسدال)، وهو فى الأصل من ملابس المرأة فى الصلاة. ويتألف من خمار طويل جداً حتى الركبتين، وتلبس السيدة تحته سروالاً واسعاً فضفاضاً إلى القدمين. و(الملحفة) – بكسر الميم – وهي الصرعة الأحدث، وتمثل قطعة ملابس واحدة من الرأس إلى القدمين يغلب عليها اللون الأسود. ويقال إنها الزى المفضل للنساء فى باكستان وأفغانستان حين كانت (طالبان) تحكمها! والطريف أن ثمة مناطق كاملة بات نساؤها يرتدين مثل هذه الملابس كشارع «العزيز بالله» فى الزيتون . والشارع به جامع يعج بأصحاب اللحى والجلابيب البيض. وبه سوق لأشرطة الكاسيت الدينية. فضلاً عن عدد من المحال المتخصصة فى بيع ملابس (النقاب) – بكافة صرعاتها!! – ويندر أن تصادف سيدة أو فتاة فى هذا الشارع لا ترتدى النقاب سواء فى صورته التقليدية أو فى صورة إسدال أو ملحفة! وفى مثل هذه الصرعات تتنافس المنتقبات من الإسكندرية إلى أسوان. فلا تخلو محافظة واحدة من مصادر غزيرة لهذه الملابس ومن أشرطة الكاسيت التي تحرض النساء على ارتدائها. ومن الملصقات التى تقول إن (النقاب فريضة)! لا شك فى أن حركة (تنقيب) المصريات وراءها من يغذيها ويدعمها. والنقاب انتشر كما لم ينتشر من قبل فى التسعينيات، وشهد توسعاً فى محافظات الصعيد نفسها التي كانت تشهد نشاطاً إرهابياً متصاعداً. والآن ينشط النقاب مجدداً مع تصاعد حدة نبرة الإسلام السياسى. والبعض يربط بين نجاح الإخوان فى الوصول إلى 88 مقعداً تحت القبة وانتشار النقاب على هذا النحو! المثير أن الإخوان مثلاً لا يتحدثون عن أن بنات «حسن البنا» ونساء عائلته كن (محتشمات) فقط، وما شوهدت منهن واحدة بحجاب أو نقاب. وتلك شهادة للكاتب « جمال البنا» - شقيق حسن البنا - مما يعنى أن الزمن لم يزد الإخوان إلا تطرفاً! وهنا يتبادر سؤال: أليس النقاب (تعبيراً دينياً) أو رمزاً دينياً، فلماذا لا يتركه المثقفون المصريون كمسألة روحانية بين المسلمة وربها؟ والإجابة أن «النقاب» صار تعبيراً سياسياً يمثل قوى بعينها فى المجتمع تريد أن تعبر عن وجودها وتثبت قوتها. وكأن نسبة النقاب حين تزداد تعنى أن أصواتهم الانتخابية تزداد أيضاً!. المنتقبة ابنة أو أخت أو زوجة أو أم لكادر من كوادر هذه الجماعة أو تلك الفرقة. والمتصدون للدفاع عن المنتقبات – سواء من البلوجرز على الإنترنت أو من أصحاب المواقع أو حتى داخل الحرم الجامعى - جميعهم باستثناءات ليبرالية نادرة ينتمون لجماعات دينية تنشط الآن سياسياً فى الشارع! وفى كل عام جامعى يحدث صدام بين الإدارة والمنتقبات كنوع من (قياس القوة). الإدارة تمثل الدولة، والنقاب يمثل الإسلام السياسي فى أشد صوره، وعادة ما يفضى الصدام إلى حل وسط سلمى حفاظاً على مصلحة الطالبات. والأهم.. لكى لا تضطر الدولة إلى إصدار تشريع يمنع النقاب ويُملك هذا التيار المتنامى فرصة نادرة لتكفير الدولة والمجتمع بأسره، ويثير السخط عليها فى مجتمع محتقن بمعارك شتى!