محافظ المنيا: ندعم أي مصنع يقدم منتجا تصديريا عالي الجودة يحمل اسم مصر    حزب الله يشن هجمات صاروخية على عدد من مواقع الاحتلال    زيلينسكي: لم أحصل على إذن لاستخدام أسلحة بعيدة المدى ضد روسيا    رئيس الوزراء يتفقد مجمع مصانع شركة إيفا فارما للصناعات الدوائية    سان جيرمان يفتقد حكيمي ودوناروما وأسينسيو في مواجهة ريمس بالدوري الفرنسي    تشيلسي يفوز بالثلاثية على وست هام للدوري الإنجليزي    الأمن يواصل حملاته على تجار المخدرات والأسلحة النارية فى أسوان ودمياط    الإسكندرية السينمائي يعلن تشكيل لجنة تحكيم مسابقة شباب مصر في دورته ال40    رئيس الوزراء يتفقد مصنع شركة "المهن الطبية MUP" | صور    رابط الحصول على نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 بالدرجات فور إعلانها عبر الموقع الرسمي    مبادرات منتدى شباب العالم.. دعم شامل لتمكين الشباب وريادة الأعمال    استعدادا للعام الدراسي الجديد، الانتهاء من إنشاء 3 مدارس في قنا    لمواجهة السرقات.. "الكهرباء" ومجموعة "الصين الجنوبية" تبحثان التعاون في خفض الفقد وسيارات الطوارئ    70 جنيها زيادة في سعر جرام الذهب منذ خفض الفائدة الأمريكية    جهود صندوق مكافحة الإدمان في العلاج والتوعية×أسبوع (فيديو)    حلة محشي السبب.. خروج مصابي حالة التسمم بعد استقرار حالتهم الصحية بالفيوم    برلمانى: مبادرة بداية جديدة تعكس رؤية شاملة لتعزيز التنمية الاجتماعية    قصور الثقافة تختتم أسبوع «أهل مصر» لأطفال المحافظات الحدودية في مطروح    منتدى شباب العالم.. نموذج لتمكين الشباب المصري    محافظ المنوفية يتابع الموقف النهائي لملف تقنين أراضي أملاك الدولة    «جنايات الإسكندرية» تقضي بالسجن 5 سنوات لقاتل جاره بسبب «ركنة سيارة»    وزيرة التنمية المحلية: المحافظات مستمرة في تنظيم معارض «أهلًا مدارس» لتخفيف المعاناة عن كاهل الأسرة    مع قرب انتهاء فصل الصيف.. فنادق الغردقة ومرسى علم تستقبل آلاف السياح على متن 100 رحلة طيران    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج فلكية تدعو للهدوء والسعادة منها الميزان والسرطان    اليوم ...المركز القومي للسينما يقيم نادي سينما مكتبة مصر العامة بالغردقة    هاني فرحات عن أنغام بحفل البحرين: كانت في قمة العطاء الفني    بعد إعلان مشاركته في "الجونة السينمائي".. فيلم "رفعت عيني للسما" ينافس بمهرجان شيكاغو    الهلال الأحمر العراقي يرسل شحنة من المساعدات الطبية والأدوية إلى لبنان جوًا    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 475 من كبار السن وذوي الهمم بمنازلهم في الشرقية    حزب الله يعلن استهداف القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا    هانسي فليك يفتح النار على الاتحاد الأوروبي    في اليوم العالمي للسلام.. جوتيريش: مسلسل البؤس الإنساني يجب أن يتوقف    وزير الصحة يؤكد حرص مصر على التعاون مع الهند في مجال تقنيات إنتاج اللقاحات والأمصال والأدوية والأجهزة الطبية    مبادرة بداية جديدة.. مكتبة مصر العامة بدمياط تطلق "اتعلم اتنور" لمحو الأمية    إخلاء سبيل المفصول من الطريقة التيجانية المتهم بالتحرش بسيدة بكفالة مالية    أم تحضر مع ابنتها بنفس مدرستها بكفر الشيخ بعد تخرجها منها ب21 سنة    استشهاد 5 عاملين بوزارة الصحة الفلسطينية وإصابة آخرين في قطاع غزة    اسكواش - نهائي مصري خالص في منافسات السيدات والرجال ببطولة فرنسا المفتوحة    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    يوفنتوس يجهز عرضًا لحسم صفقة هجومية قوية في يناير    تحرير 458 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» وسحب 1421 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    باندا ونينجا وبالونات.. توزيع حلوى وهدايا على التلاميذ بكفر الشيخ- صور    هل الشاي يقي من الإصابة بألزهايمر؟.. دراسة توضح    حكاية بطولة استثنائية تجمع بين الأهلي والعين الإماراتي في «إنتركونتيننتال»    18 عالما بجامعة قناة السويس في قائمة «ستانفورد» لأفضل 2% من علماء العالم (أسماء)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    «اعرف واجبك من أول يوم».. الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل رابعة ابتدائي 2024 (تفاصيل)    وزير خارجية لبنان: لا يمكن السماح لإسرائيل الاستمرار في الإفلات من العقاب    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطورة بيع لحم الوطن
نشر في المصري اليوم يوم 14 - 12 - 2008

هناك مثل شعبى يقول: «إن خِربْ بيت أبوك خد لَكْ منه قالب»، ويبدو أن بعض المصريين اقتفاءً لخُطا الحزب الوطنى - اتخذوا من هذا المثل مبدأ عاما، طبقوه بقلب ميت، دون أن ينتفض لهم ضمير، أو يطرف لهم رمش، فطالما البيع من جانب حكومتنا الرشيدة أصبح لكل غالٍ ونفيس بالجملة وبالقطاعى.
 فلماذا لا يبيع المواطن كل ما تطاله يداه من كنوز تاريخية، أسوة بما تفعله الحكومة، التى باعت كل شىء، حتى ما تبقى لدينا من بضع شركات، قررت أن توزعها على الشعب فى صورة صكوك، ليبيعها الناس بمعرفتهم، فبيت أبونا خرب والحمد لله، فليأخذ كل منا منه قالباً.
وأخطر ما فى مبدأ البيع الذى زرعته الحكومة قسرا فى وجدان الشعب المصرى، عبر مراحل متتابعة من تطبيق سياسة الخصخصة، والبيع (من تحت الطاولة)، والبيع بالعمولة، والبيع بالقيمة الدفترية، والبيع عبر الصفقات المشبوهة بتراب الفلوس لصالح مستثمر رئيسى، نقول أخطر ما فى هذا كله أن ما رسخ فى وجدان الناس أنه لا شىء عزيز لدينا.
فكل شىء قابل للبيع بدءاً من المصانع، ومروراً بالضمائر، ونهاية بالتاريخ والآثار، ومن هنا بدأت عصابات المتاجرة فى لحم الوطن فى بيع كل ما تطاله أياديها، فكل ممتلكات الدولة نفدت، أو قاربت على النفاد، وباعها تجار وسماسرة الحكومة الكبار بأبخس الأسعار، وكل ما تبقى هو المتاجرة فى لحم الوطن الحى.
فقد دعيت إلى مؤتمر للخط العربى والفنون الإسلامية أقيم مؤخرا فى إحدى دول الخليج، وأثناء متابعتى فعاليات المؤتمر أصابنى ذهول يصل إلى حد الصدمة، فقد وجدت لدى أحد هواة جمع مقتنيات التحف بعض لافتات أسماء شوارعنا المصرية، وتعرفت عليها بمجرد النظر، وهل تخطئ العين التعرف على خطوط أساتذتنا الكبار، فهذه اللافتات كتبها، منذ أكثر من مائة عام، ثلاثة من كبار الفنانين المصريين من أساتذة الخط العربى المبدعين، وهم : محمد بك جعفر، والشيخ على بدوى، ومحمد بك محفوظ.
 ومن عجائب الزمان أن من قام بتكليف هؤلاء المبدعين بكتابة هذه اللافتات جيش الاحتلال الإنجليزى، بعد أن استدعى الإنجليز ثلاثين فنانا من كبار الخطاطين المصريين آنذاك وعقدت لهم اختبارات، واختارت من بينهم الخطاطين الثلاثة (جعفر وبدوى ومحفوظ)، فأبدعوا هذه اللوحات الرائعة التى حملت أسماء شوارع القاهرة، وكتبت بأقلام خط (الثلث الجلي) البديع، وهى مكسوة بطبقة من الميناء المقاومة للخدش والتلف ضد عوامل التعرية، والشمس والمطر، لذلك ظلت محتفظة برونقها وبهائها طوال تلك السنوات، إلى أن أنعم الله علينا بحكومات الحزب الوطنى العظيمة التى تركت الحبل على الغارب، لكل من هب ودب، ينهب من هذه الكنوز التى ليس لها صاحب ولا عليها حارس.
 وكيف يخطر على بال بشر أو حتى الشيطان ذات نفسه أن يخلع لافتات أسماء شوارع قاهرة المعز لدين الله الفاطمى، فى غفلة من الزمن والضمير والحكومة والناس أجمعين، وتهريبها خارج البلاد بطرق شيطانية أيضا، لتباع لبعض الأثرياء العرب من هواة المقتنيات، ليصبح لديهم تحف تاريخية نادرة، بعد أن استعصى عليهم التاريخ والجغرافيالأن يكون لديهم شوارع تاريخية مثل هذه الشوارع..
 هل حدث فى أى دولة على وجه الأرض أن لافتات شوارعها تخلع من فوق جدران الشوارع وتباع خارج البلاد، أليس هذا من عجائب الدنيا السبع التى انفردت بها مصر المحروسة، فى العصر الحديث؟!
عصابات الفك والتهريب لم تكتف بسرقة لافتات الشوارع فقط، فالسرقة شغالة فى جميع الاتجاهات، منذ سبعة آلاف سنة، ومتاحف العالم تستمد أهميتها من كم التحف والآثار المصرية القديمة التى تضمها، ولكن هذا كله كان متاحا فيما مضى، عندما لم تكن هناك قوانين لحماية الآثار، أو استردادها، والآن يوجد لدى المواطنين مئات الآلاف من المنقولات الأثرية ملكا شخصيا لهم، ولكنها غير مسجلة كآثار.
 وهناك مساجد عريقة تضم آلاف التحف، ولكنها تابعة لوزارة الأوقاف، وغير مسجلة كأثر، وإن سرقت فلا يمكن استرجاعها، ومنذ فترة قريبة سرق أكثر من عشرة منابر أثرية قديمة من داخل مساجد الأوقاف العتيقة ولم يحاسب عليها أحد، لأنها عهدة خدم المساجد وحراسها الذين توقع عليهم جزاءات إدارية تافهة، والآن تسرق مئات القطع الأثرية القبطية والإسلامية وتباع فى الخارج، والمفزع فى هذا الأمر أن بيع لحم الوطن لا يقتصر على الأفراد فقط.
فوزارة الأوقاف تبيع هذه المقتنيات وتشتريها هيئة الآثار من المزادات وتقوم بتسجيلها كأثر، فى غياب تام للتنسيق بين الوزارات فى الحكومة المصرية الواحدة، وهناك آلاف المنقولات التاريخية والفنية التى لم تسجل كآثار، تم تهريبها للخارج فى الفترة الأخيرة بعد أن أصدر رئيس الوزراء د. نظيف القرار رقم 944، الذى ينص على تشكيل لجان لحصر التراث التاريخى الموجود لدى المواطنين وتسجيله كأثر.
والأكثر إفزاعا أن المواطنين يتلفون منقولاتهم الأثرية الخاصة قبل وصول هذه اللجان، لعدم ثقتهم فى أنها ستؤول للدولة، وأنهم لن يعوضوا بما يتناسب مع قيمة هذه المنقولات التاريخية الثمينة، لذلك فإن قصور هواة جمع المقتنيات، ومتاحف دول الخليج ازدحمت بآلاف القطع المهربة من مصر، بعضها تم تهريبه من مصر، والبعض الآخر تم شراؤه من صالات مزادات التحف النادرة فى أوروبا، وخطورة بيع لحم الوطن أننا سنفقد أعز ما نملك، وهو تراثنا الذى يجعل منا دولة عظمى (تاريخيا وثقافيا).
وبعدها سيسهل الطعن فى تاريخنا بعد أن يؤول هذا التراث إلى دول أخرى فى المنطقة بمقدورها أن تدعى أنها صاحبة السبق والريادة التى تسلب منا تباعا فى معظم المجالات، رغم هذا الزخم التاريخى المجيد الذى تمتلكه مصر منذ آلاف السنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.