فى أول تحد عربى «عملى» من نوعه بعيداً عن شعارات التضامن ومسيرات الشجب للحصار الإسرائيلى الجائر الذى تفرضه قوات الاحتلال على مليون ونصف المليون فلسطينى فى قطاع غزة منذ أكثر من عام، شقت باخرة «المروة» تقل أكثر من 3000 طن من المواد الغذائية المتنوعة طريقها من ميناء زوارة الليبى، غرب العاصمة طرابلس، شرقاً صوب القطاع المحاصر، وسط توقعات بوصولها إلى ميناء غزة اليوم، وهو التحدى الذى لم يسبقها إليه سوى نشطاء متضامنون من دول أوروبية غربية يرافقهم نشطاء فلسطينيون مقيمون بالخارج. الباخرة الليبية التى انطلقت من ميناء زوارة يوم 25 نوفمبر الماضى، والمنتظر وصولها اليوم، قد تنجح - كالسفن ال 4 السابقة فى اجتياز المياه الإقليمية للقطاع، والتى تشرف عليها زوارق الاحتلال الإسرائيلية، رغم سيل التهديدات الصادرة عن تل أبيب، والتى توعدت بمنع مثل هذه السفن، والتى لا تصل إلى القطاع سوى محملة بالمساعدات الإنسانية من مواد غذائية وأدوية وأغطية للشتاء تهدف إلى التخفيف من وطأة الحصار الخانق، وذلك بعد قطعها آلاف الأميال انطلاقا من ميناءى لارنكا القبرصى، الذى يبعد عن مرفأ غزة ب 388 كم، وزوارة الليبى، الذى تصل المسافة بينه وبين ميناء غزة إلى 2106 كم، يقع فى الطريق بينهما عدد من الموانىء المصرية الأقرب إلى الأراضى المحتلة مثل الإسكندرية وبورسعيد. وإذا كانت السفن الغربية ال 4 قد أبحرت من ميناء لارنكا القبرصى وعلى متنها نشطاء سياسيون وحقوقيون وقانونيون وبرلمانيون، فإن الباخرة الليبية اتخذ انطلاقها من ميناء زوارة طابعا «رسميا»، إذ أكد مسؤولون ليبيون أن المساعدات التى تحملها السفينة مقدمة من الجماهيرية الليبية تحت إشراف أمانة الخارجية، معلنين أن هذه الرحلة ما هى إلا بداية لسلسة رحلات أخرى لسفن ستحمل مساعدات أخرى مقدمة من الجماهيرية الليبية إلى الشعب الفلسطينى، وهو ما يضع كلا من النشطاء والحكومات العربية فى حرج بالغ. فتعدد الموانئ العربية المحيطة بالقطاع، شمالا ممثلة فى ميناءى اللاذقية وطرطوس السوريين، مرورا بالجنوب إلى طرابلس اللبنانى، ثم الاتجاه غربا بمحاذاة الساحل الشمالى للبحر المتوسط، وصولا إلى موانئ بورسعيد ودمياط والإسكندرية، يضع على دول الجوار الفلسطينى، التى تتعرض لحملة تجويع إسرائيلية وسط عزلة سياسية وتجاهل إعلامى عربى، مسؤولية أكبر من تلك التى تحملها بالفعل نشطاء الدول الغربية. مطالب تدخل الحكومة المصرية لفك حصار غزة لا تتوقف، لاسيما أن رفح تمثل المتنفس الوحيد لسكان القطاع على العالم الخارجى، ومن مختلف أحزاب المعارضة والتيارات السياسية والقوى الشعبية والجامعية الوطنية، تنطلق النداءات مطالبة القاهرة بعدم الإسهام فى إحكام الحصار الخانق على فلسطينيى غزة، من خلال اتخاذ قرار سياسى حر بفتح معبر رفح فوراً، وتمكين قوافل الإغاثة العربية والدولية من العبور إلى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن مد القطاع بالكهرباء والطاقة، اللذين قلصت سلطات الاحتلال من إمداداتهما عن طريق استمرار إغلاق المعابر. تصاعدت تلك المطالب – داخلياً وخارجياً – بعد نجاح 4 سفن غربية فى كسر الحصار رغم أنف الاحتلال الإسرائيلى، الذى لم يجرؤ – رغم تهديداته - على استهداف قوارب مساعدات محملة بالغذاء والدواء، لاسيما أنها كانت تقل نشطاء نحو 16 دولة غربية أوروبية مختلفة، إضافة إلى الولاياتالمتحدة. تصاعدت تلك المطالب أيضا بعد إعلان «الحملة الأوروبية» لكسر الحصار الإسرائيلى عن تثبيت خط لارنكا – غزة، كخط مساعدات دولى للتضامن مع ضحايا الإغلاق المستمر للقطاع، وذلك بعد نجاح سفينتى «الكرامة» و«الأمل» فى تنفيذ رحلتى ذهاب وعودة، بواقع 4 رحلات منفصلة، فى كسر الحصار، محملة بالمواد الغذائية والإمدادات الطبية الأساسية فى رحلات الذهاب، وعائدة بمرضى فلسطينيين للعلاج بالخارج، وكانت هذه المحاولات قد نجحت على 3 مرات، الأولى فى 23 أغسطس، عندما دشنت السفينتان معا رحلتيهما حاملتين أكثر من 40 ناشطا، ثم جاءت المحاولة الثانية فى 29 أكتوبر، بسفينة الأمل التى عاودت الرحلة إلى غزة وعلى متنها 27 ناشطا، قبل أن تلحق بها سفينة الكرامة، محملة ب 23 ناشطا أجنبيا. فلسطينيا، أعرب مسؤولون محليون وقيادات شعبية، قبل الإعلان عن التحرك الليبى، عن أسفهم إزاء خروج هذه المبادرة من أطراف غربية، و«العرب أولى بها»، وبينما يرى مواطنون أن فرحة استقبال سفن كسر الحصار الغربية «لم يعكر صفوها سوى عدم تحرك العالم العربى لدعم مساندة جهود المتضامنين»، رأى آخرون أن خطوة كسر الحصار الغربى «وحدها لا تكفى»، بل تحتاج إلى تضافر الجهود العربية، لاسيما المصرية، وهو ما علق عليه مشير المصرى، عضو المجلس التشريعى، بأنه «لمن العار أن يخاطر الأوروبيون، رغم كل التهديدات، للوصول إلى قطاع غزة، وفى المقابل نرى الشعوب العربية والإسلامية تقف تتفرج».