أثارت الخطوة الأولى من نوعها - التى أقدمت عليها السلطة الفلسطينية بمخاطبة الرأى العام الإسرائيلى مباشرة من خلال نشر إعلانات «مدفوعة الأجر» بالعبرية على صفحات الجرائد الإسرائيلية - جدلا واسعا فى الأوساط والتيارات السياسية الفلسطينية بين مؤيد ومعارض، كما سلطت الأضواء على مدى الدور الذى يمكن أن تمارسه وسائل الإعلام بشكل عام فى خدمة أهداف سياسية بعينها. سهام الانتقادات انهالت على سلطة رام الله ما إن أفردت الصحف الإسرائيلية ال 3 الأوسع انتشارا «يديعوت أحرونوت» و«معاريف» و«هاآرتس» قبل يومين إعلانا باللغة العبرية بحجم صفحة كاملة فى شكل إطار تحيطه أعلام 57 دولة عربية وإسلامية، تعتزم إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل شرط انسحاب قوى الاحتلال من جميع حدود 67، وفقا لمبادرة السلام السعودية، التى تضمن الإعلان بنودها كاملة، متصدرا إياها العلمان الفلسطينى والإسرائيلى، وكل ذلك فى إعلان مدفوع الأجر تقدمت بطلب نشره السلطة الفلسطينية، بهدف توعية المجتمع الإسرائيلى بثمار تطبيق المبادرة على الجانبين. وأشار منتقدو الخطوة إلى تزامنها «اللافت للنظر» مع انتهاء الجولة الأخيرة لحوار الأديان التى عقدت فى نيويورك، والتى شهدت لأول مرة جلوس العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود والرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز على مائدة طعام واحدة، بينما رأى آخرون فى توقيت الخطوة تحركا ذكيا يستبق الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، فى محاولة للتأثير على رأى الناخبين لاختيار التيار المؤيد للمبادرة. واعتبر التيار الرافض للخطوة أنها تعكس منهجا جديدا للسلطة يقوم على أساس التطبيع الإعلانى من خلال التعاطى مع الإسرائيليين كأصدقاء يمكن التخاطب معهم بأسلوب حضارى، وهو ما وصفه أصحاب هذا التيار بأنه يكشف عن تطبيع «سذاجة» و«تخبط سياسى»، من منطلق أن افتراض عدم علم الرأى العام الإسرائيلى بتفاصيل المبادرة بعد 6 أعوام من إطلاقها ينم عن «جهل فاضح بطبيعة المجتمع الإسرائيلى»، بعدما زارته وفود من الجامعة العربية تضم وزيرى خارجية مصر والأردن لشرح بنود المبادرة. على النقيض، رد ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بأن الرأى العام الإسرائيلى لم يسمع عن المبادرة العربية إلا «بشكل مشوه عبر المسؤولين الإسرائيليين الذين هاجموها». ومن داخل أراضى 48، أكد نائب الكنيسيت أحمد الطيبى، الذى عهدت إليه السلطة بتنفيذ الفكرة والاتصال بالصحف الإسرائيلية، أن «الفكرة مميزة.. ولا شك ستثير نقاشا إسرائيليا داخليا»، وهو ما يبرهن على نجاحها فى «اختراق» المجتمع الإسرائيلى، وبذلك تلقى بالكرة فى ملعبهم ليثبتوا ما إذا كانوا شركاء سلام حقيقيين أم لا، كاشفا عن أن هذه الخطوة ستتلوها خطوات مماثلة فى الصحافة الأمريكية والأوروبية. الإعلان لم يحرك مياه التطبيع الراكدة فقط، بل نجح فى إحداث اختراق للأوساط الصحفية ربما أكثر من المجتمع الإسرائيلى المستهدف، كما أنه أعاد إلى الأذهان دور المواد الإعلانية مدفوعة الأجر فى تنفيذ سياسات وتوجهات عامة للدولة، فعلى الموقع الإلكترونى لصحيفة «معاريف» - وبينما تخلو الصفحة الأولى من مجرد رابط يشير إلى نسخة عربية أو حتى إنجليزية لقراء اللغات الأجنبية غير العبرية، كثيرا ما طالع قراء الصحيفة إعلانا ينفرد وحيدا بكلماته المكتوبة بالحروف العربية - تحيطه لوحة ملونة، ومزين بصور متحركة لافتة للأنظار تدعو للهجرة والعيش والعمل فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفى واجهة الإعلان، تدعو الحكومة الأمريكية 50 ألف شخص من المقيمين داخل إسرائيل للحصول على «الجرين كارد»، واصفة الفرصة بأنها «مساوية للجميع»، وأسفل تلك العبارة رابط «أنقر هنا» للدخول إلى صفحة تفصيلية كاملة، وكلها باللغة العربية، تشتمل على جميع تفاصيل التقدم لطلب الهجرة بشتى الوسائل الإعلانية الممكنة، مستهدفة بطبيعة الحال - وعلى وجه الخصوص - القارئ العربى المقيم داخل أراضى 48 ، وذلك فى مفارقة فاضحة تكشف الأساليب الإسرائيلية التى لا تنتهى لإغراء عرب إسرائيل وتشجيعهم على الرحيل عن أراضيهم، والهجرة خارج إسرائيل. وقطعا، لا حاجة لإعلان الهجرة هذا، الذى يظهر من الحين للآخر، لأن يتم نشره باللغة العبرية، إذ إنه لا يستهدف سوى القارئ المتحدث بالعربية من داخل إسرائيل، والتى لا تدخر حكومتها جهدا فى التعهد بحوافز مادية مغرية ومعيشة أفضل لتشجيع واستقطاب يهود العالم للهجرة إليها، فى ظل حملة 2008 التى تم إطلاقها مؤخرا بهدف إعادة 15 ألف إسرائيلى مهاجر خارج البلاد إلى «وطنهم»، فضلا عن استحضار 20 ألفا من اليهود كمهاجرين جدد، الأمر الذى يجعل من نشر صحيفة واسعة الانتشار ك «معاريف» مثل هذا الإعلان غير منطقى، ولا محل له، سوى فى إطار أنه يستهدف عرب 48 ليس إلا.