فى أول يونيو الماضى تلقيت مكالمة من شخص مهذب قدم نفسه بأنه مُعد بقناة النيل للمنوعات، أثنى على شخصى الضعيف وأخبرنى أنه أعجب بكتابى «مصر ليست أمى.. دى مرات أبويا» أيما إعجاب، ولهذا فإن برنامجه يتشرف باستضافتى لمناقشة الكتاب. قلت له: سأكون صريحاً معك، برنامجكم كما أخبرتنى يذاع على الهواء الساعة السابعة صباحاً، ومن المستحيل فى مثل هذه الساعة أن تحصل منى على جملة مفيدة، عدا أنى أعتقد أن هذا الجهد سيكون بلا طائل لأن أحداً تقريباً لن يشاهده، فقناتكم ولا مؤاخذة لا تملك عناصر جاذبة فى مواجهة القنوات الخاصة وبالذات برنامج صباح دريم الذى يذاع فى نفس الوقت. قال الشاب: لقد تطورت القناة بشكل كبير وأعدك بأن الحلقة ستكون متميزة وستحظى بنسبة مشاهدة عالية. قلت له: بما أننا اتفقنا على الصراحة سأزيدك بأن تجاربى مع البرامج التليفزيونية التى تكرمت باستضافتى للحديث عن الكتاب لم تكن كلها مرضية، فمن بين أكثر من 20 لقاء أدهشنى أن خمسة منهم فقط قد قرأوا الكتاب، أما الباقون فكانوا يسألوننى أسئلة غريبة، وكنت من خجلى أضطر لمجاراتهم وأخفى امتعاضى من الخفة والاستسهال. وأكملت: اعذرنى لن أستطيع. فقال: سأقرأ الكتاب وأمامنا وقت كاف قبل التسجيل لأكون قد أعددت أسئلة جيدة، والبرنامج لعلمك ينقسم إلى قسمين جزء سنقوم بتسجيله عندك فى البيت والجزء الآخر سيكون على الهواء بالاستديو. بعد طول إلحاح استسلمت ووافقت. فى اليوم الموعود للتسجيل حضر فريق من البرنامج يضم عشرة أشخاص إلى بيتى، وانتشروا فى الشقة وبدأوا يعدلون من وضع المقاعد ويتخذون زوايا للتصوير، ودارت الكاميرا، وللحق كانوا مجموعة من الشباب فى غاية الروعة والتهذيب، وانتهى نصف المهمة على خير. مر شهر يونيو وشهر يوليو دون أن أسمع منهم فحمدت ربنا أنهم نسونى. لكن فى شهر أغسطس تلقيت مكالمة من المعد الشاب وكان قد أصبح صديقاً بفعل العشرة. قال: استعد يا أستاذ سنقوم بالتصوير هذا الأسبوع، قلت له: وأين كنتم طوال الشهرين الماضيين؟ قال: شوية لخبطة وانتهت وسنتصل بك قريباً. مر شهر أغسطس وانتهى الصيف، ودخل سبتمبر ومعه رمضان، وانقضى سبتمبر ودخلنا فى أكتوبر ونسيتهم تماماً، وفجأة تلقيت مكالمة من المعد الذى صاح متهللاً: خلاص يا أستاذ حلقتنا يوم السبت القادم. قلت له: سيبنى فى حالى يا ابنى وخلّينى أربّى العيال. قال: والله العظيم كل شىء جاهز. قلت له لن أحضر مهما فعلت. قال: أنا أطلب منك هذا لأجل خاطرى لأنى وعدتهم أنك ستحضر وهناك مداخلة تليفونية مهمة اتفقنا عليها وأثق أنها ستسعدك. قلت له: مداخلة مع من؟ قال: مع الأستاذ بلال فضل وقد أبدى ترحيباً كبيراً. قلت له: أنا سأكلم بلال وسأبلغه اعتذاري. قال: حضرتك لا تعرف أهمية هذه الحلقة بالنسبة لمستقبلي، علشان خاطري..أرجوك. رغم ضيقى الشديد وجدت نفسى فى النهاية أضعف وأوافق كارهاً. ما كاد ينتزع الموافقة حتى قال لي: الفريق الذى سيسجل معك فى البيت سيحضر إليك غدا فى المساء. قلت له: نعم يا حبيبى؟ أما سجلتم معى جزء البيت من قبل. قال: لقد مضت شهور ولا نعرف أين مكان الشريط!!. كان اليأس قد نال منى فقلت له: افعل ما تشاء. حضر الشباب للمرة الثانية وكررنا نفس التمثيلية وقاموا بالتصوير وانصرفوا على أن نلتقى صباح اليوم التالى على الهواء. كنت عندهم فى الميعاد وهناك نظرت لوجهى فى المرآة فلم يعجبنى ما رأيت.. حاولت أن أرسم ابتسامة وأن أصرف الامتعاض الواضح ففشلت. جلست فى غرفة الانتظار التى كانت تغص بالضيوف، وشاهدت الحلقة المملة كاملة، ضيف ورا ضيف ورا ضيف. سألتهم: أنا دورى النهارده؟ قالوا: أنت مسك الختام. بعد قليل دخلت الاستديو. قالوا: سنبدأ بعد ثوان. قلت: ألن تبدأوا بالفقرة التى سجلناها بالبيت: قالوا: معلش مافيش وقت سنكتفى بالهواء!!. كدت أبكى كمداً، وبدأ المذيع الشاب: مصر ليست أمك.. لماذا؟ قبل أن أفتح فمى كانت زميلته الرقيقة قد أجابت عن السؤال بدلاً منى واستمرت: نعلم أن مصر بها بعض المشكلات، لكن النماذج الإيجابية موجودة، ويكفى أن لدينا الدكتور زويل و.. و.. بعد أن فرغت من المونولوج الطويل قلت لها عامداً وضارباً كرسيًا فى الكلوب: نعم أنا أحب الدكتور زويل العالم الأمريكى العظيم. قال المذيع: الدكتور زويل مصرى ويفخر بمصريته. قلت له وقد أخذ الغضب يزول وبدأت أنتشى: أنا أقصد أن الدكتور زويل حقق تفوقه العلمى ونجاحه بفضل فراره من مصر ولو كان قد بقى لما استطاع حتى أن يحصل على جائزة اتحاد الإذاعة والتليفزيون! ثم أتبعت إجابتى بضحكة مجلجلة. امتقع وجه المذيع وتلعثمت المذيعة ووضح لى أنهما يستمعان فى سماعة الأذن إلى توبيخ وتعليمات فورية بإنهاء الحلقة. فقالا: نشكر الضيف ونرجو أن تكونوا... إلخ. خرجت إلى الشارع وضحكاتى تشق الفضاء وللمرة الأولى أشعر بالبهجة فى هذا الصباح البايخ!.