فى الإسماعيلية وفى الذكرى السادسة لحرب أكتوبر استدعيت لمقابلة الرئيس الراحل محمد أنور السادات.. وفى اللقاء أهديته كتابين، الأول كتاب التمرد The Revolt تأليف مناحم بيجين وقد شاركت فى ترجمته، وكان على صورة مذكرات خاصة به، وكتب مقدمة النسخة المترجمة اللواء أ.ح/ حسن البدرى، والكتاب الثانى هو (الصهيونية وسياسة العنف) من تأليفى.. تناقش الرئيس معى نقاشاً عاماً سريعاً، ثم فوجئت به يسألنى باللغة الإنجليزية عن انطباعاتى على مبادرته وزيارته للقدس!! وأجبته بعد تردد وتخوف باد، أن الكثيرين يرون أنه كانت هناك طفرية قرار، وأن الجميع فوجئوا به حتى أقرب المقربين إليه، فكانت ردود أفعالهم المتباينة! فأجابنى الرئيس بسرعة وبلا تردد: «خشيت على المبادرة أن توأد قبل أن تولد!» واستمر اللقاء ساعة وثلثاً! من إجابته الأخيرة أبدأ بانطباعاتى عن زيارة الرئيس الراحل للقدس وجدواها، وأشعر جيداً أن مفهوم دولة المؤسسات لم يترسخ فى الذهنية القيادية المصرية والعربية، وأن معظم قراراتنا هى فى الحقيقة قرارات فرد أو مجموعة صغيرة، وتتبناها باقى المؤسسات، إما قهراً أو تماهياً مع الحاجة.. فقرار مصيرى كهذا كان ينبغى مناقشته والوصول فيه إلى رؤية محددة جامعة أو على الأقل متفق عليها! وأعود للزيارة نفسها فأذكر أنها سببت قلقاً إسرائيلياً وتخوفاً أمنياً غير مبرر من أن يكون هناك شىء ما على الطائرة نفسها!! وأتذكر أيضاً جمود وتجهم وجه الرئيس السادات عندما خرج من باب الطائرة فى مطار بن جوريون بتل أبيب.. وأتذكر أيضاً نظرات رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين، ورئيس الكنيست إسحاق شامير أثناء إلقاء السادات لخطابه، وقلت لنفسى وأنا أتابع الخطاب فى التلفاز.. ها هم تلاميذ زئيف جابوتنسكى أبو التطرف الصهيونى يتبوأون سدة الحكم فى إسرائيل! وأولهما كان رئيساً للمنظمة العسكرية القومية الصهيونية (الأرجون) وخطط وشارك فى قتل وزير الدولة البريطانى اللورد موين فى القاهرة عام 1946، وأيضاً فى المذابح الإرهابية التى قامت بها المنظمة وعلى رأسها مذبحة دير ياسين.. أما إسحاق شامير فكان أحد ثلاثة شاركوا من قبل منظمة ليفى الإرهابية فى قتل الوسيط الدولى الكونت برنادوت.. وصدرت ضدهما أحكام لقيامهما بالإرهاب الدولى، أحكام جنائية فى بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية.. ولم تنفذ!! كما لا يفوتنى منظر جيئولا كوهين عضو الكنيست وصراخها ومقاطعتها خطاب الرئيس السادات مطالبة إياه بالرحيل، وتوجيهها الشتائم للعرب قبل أن يخرجوها من القاعة!.. كل هذه المشاهد أسترجعها الآن وأتساءل: هل كان الرئيس السادات على صواب بالذهاب إلى القدس؟ ولا يفهم أننى معارض للزيارة، ولكن هى انطباعات أتذكرها الآن.. وبالقطع فإن مبررات الرئيس جاءت استثماراً لانتصار أكتوبر المجيد، وإدراكاً منه لحقيقة الأوضاع على الساحة الدولية والإقليمية، وبموازين القوى المختلفة.. ولكن يظل السؤال: هل استثمرنا الزيارة استثماراً جيداً؟ أعتقد أن الإسرائيليين استفادوا أكثر منا.. صحيح أننا استرجعنا الأرض المصرية كاملة، ولكن هل تعاملنا معها تعاملاً جاداً؟ فعند ذلك أصطدم بمواقف متعددة حدثت فى طابا ونويبع ودهب!! وآخرها ما حدث بالأمس القريب بين الشرطة وبدو سيناء!! وهو دليل على أننا لم نتعامل مع موقف عودة سيناء كاملة التعامل الواجب المفروض!! فالقضية تمس الأمن القومى على مستويين: الأول الرسمى خاصة على ضوء المحاولات المتكررة والتى نسمع عنها من أفارقة يحاولون اجتياز الحدود إلى إسرائيل أو اختراقات تحاول إسرائيل استغلالها فى منطقة رفح فيما تسميه بقضية الأنفاق!! والثانى تأكيد الالتحام مع سيناء وأهلها من خلال الاستيعاب والمشروعات العمرانية وجعلها منطقة جذب للمصريين، الذين من المؤكد سيغيرون معادلات كثيرة، وسيعوضون بلا شك محدودية القوات فى منطقة الحدود! إن الحديث يطول، وهناك الكثير المتعلق بالزيارة خاصة الموقف العربى للتفاوض، واتفاقية كامب ديفيد، وقد نناقشها معاً فيما بعد. د.محمود سعيد عبدالظاهر أستاذ العلوم السياسية والتاريخ والخبير الاستراتيجى والأمنى