رفض مجمع البحوث الإسلامية، فى آخر اجتماع، تجسيد شخصية عمر بن الخطاب أو أى من العشرة المبشرين بالجنة درامياً رفضاً قاطعاً، وهو قرار قد جانبه الصواب، بل هو من وجهة نظرى قرار يضر الإسلام أكثر مما يخدمه، فالمجمع بهذا القرار المتسرع العاطفى المفتقد المنطق وغير المعتمد على أى نص شرعى، يضيع فرصة ذهبية لتعريف الشباب بتاريخهم من خلال أهم وسيلة تثقيفية الآن وهى الدراما، فلابد أن نعترف ونواجه أنفسنا بصراحة بأن مساحة القراءة لدينا تتضاءل وتنحسر بل تتلاشى، ولابد أن نعترف أيضاً بأن التصوير الدرامى المرئى يتفوق بمراحل على أى كتاب تاريخى أو قصة تراثية، وأننا بتنازلنا، بكل طيب خاطر، عن صدق الدراما الدينية، نتنازل عن أهم سلاح تثقيفى ومعرفى وتعليمى لجيل كامل، ونسلمه، بكل رضا وحبور لكتائب الإرهاب والتطرف التى تدس له ما تريد من قصص وهمية وتراث أسطورى وحكايات مدسوسة يحفظها على أنها بديهيات لا تناقش ومقدسات لا تمس. مجتمعنا يخشى الدراما والتجسيد الفنى، مجتمعنا مرعوب من الصورة، برغم أن القدماء صاغوا تاريخنا بالنثر والشعر، إلا أن أحداً منا لم يقل ويصرح للشيوخ بأن هذه الوسيلة قد كانت هى طريق تعبيرهم الفنى الوحيدة آنذاك، وأنه لو كان قد توفر لهم فن السينما أو المسرح أو أى وسائط تعبيرية أخرى، لكانوا قد مارسوها وأبدعوا وبرعوا فيها مثلما برعوا فى فن الشعر والخطابة، إلا أننا كمجتمع منافق مريض بالازدواجية لا نجيد الآن إلا فناً واحداً هو فن التخفى! نكره، وبعدوانية شديدة، أى فن قائم على الصورة، لأن الصورة صراحة وصدق وواقع ملموس وتجسيد حى وشاهد عيان، وهذا يفضح نفاقنا ويعرى عوراتنا ويصيبنا بالرعب والاضطراب.. ولأن الدراما اختراع غربى إغريقى لم يعرفه العرب إلا مؤخراً، فنحن، كمجتمعات عربية، نتعامل معه كضيف غير مرغوب فيه، ونخشاه كما يخشى اللص كشاف الضوء! هناك عدة أسئلة أطرحها على مجمع البحوث الإسلامية، هى: أين هو النص الشرعى الذى يحرم تجسيد العشرة المبشرين بالجنة؟، وهل هذا معناه أن من جسدوا فى الدراما الدينية مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعمر بن عبدالعزيز... إلخ لن يدخلوا الجنة ولهذا سمحتم بإنتاج أفلام ومسلسلات عنهم ؟!، أما ما تقولونه عن أن الممثل سيفقد الصحابى المصداقية ويفتن الناس فى دينهم لأنه سيؤدى أدواراً أخرى شريرة، فللأسف نرد عليكم بأنكم للأسف فى حاجة لمعرفة معنى فن الدراما وما هو الصدق الدرامى، وأحيلكم إلى محمود المليجى «أبوسويلم» فى فيلم «الأرض» الذى صدقناه وبكينا معه حين تم سحله ولم نستنكر ويسيطر علينا دور المجرم والقاتل الذى جسده فى معظم أفلامه، وهل تزعزع إعجابنا بباسم ياخور الذى جسد خالد بن الوليد حين مثل دور جاسوس إسرائيلى فى رمضان الماضى؟!، إننا صدقناه هنا وصدقناه هناك ولم نصب بحمى التربص تلك التى تحكم نظرتنا للدراما، وهل نقص إعجاب الشيعة الذين يرسمون على بن أبى طالب ويمثلون مسرحيات عن الحسين برموزهم الدينية وهل نزعت هالة القداسة عنهم بمجرد إنتاج أعمال درامية تحكى تاريخهم؟ أرجوكم فضوها سيرة من الدراما الدينية، فلا توجد دراما دون بطلها الحقيقى، ولا يمكن أن نظل نضحك على المشاهدين ونراهن على سذاجتهم بقولنا «يقول على أو عثمان أو طلحة» وهم على بعد نصف متر فى الخيمة!!، وكما أنه لا يمكن أن نشاهد مسرحية هاملت دون شحم ولحم هاملت، فإننا لا يمكن أن نرى مسلسل الفاروق دون أن نرى على الشاشة عمر بن الخطاب.