عندما يمطر «تليفزيون بلدنا» مسلسلات فى رمضان نلمس بوضوح القدرات الهائلة التى يملكها تليفزيون الدولة، فهو الذى يستطيع أن ينتج ويشترى ويبث آلاف الساعات التليفزيونية على ما يزيد على عشرين قناة تعمل أربعاً وعشرين ساعة يومياً دون توقف، تمتلئ خلالها مخيلتنا بالصور والمواقف والملابس والأماكن والنجوم الجدد والقدامى، ويحتل التليفزيون كوسيلة للترفيه، بإرادتنا أو دون وعى منا، مساحة لا يستهان بها من الوقت والطاقة تتجاوز غالباً مجرد الترفيه إلى الإلهاء والتشويش والبلادة الذهنية. يستطيع «تليفزيون بلدنا»، كما تصف الشارات الإعلانية لبرامج رمضان التليفزيون المصرى، بإمكانياته الإنتاجية والفنية الضخمة ألا يحرمنا كمشاهدين من شىء، وأن يوفر لنا كل ما نحتاج من دراما وفنانين وتطور تقنى كبير لصناعة مضمون ترفيهى جذاب. ومن أجل عيون هذا «الشو» show وجاذبيته، يستطيع التليفزيون أن يدفع مئات الملايين من الجنيهات «لتأمين احتياجاتنا» من المسلسلات طوال شهر رمضان الكريم. وعندما يريد، يستطيع تليفزيون الدولة أن يقوم بعمليات تحديث فى شكل شاشاته الرئيسية وشكل برامجها تتكلف الملايين بهدف استعادة رضا الجمهور المصرى عن شاشته الوطنية، كان أشهر ثمار التحديث التى تمت قبل حوالى خمس سنوات: برنامجا جماهيريا يوميا («البيت بيتك» الذى أصبح لاحقاً «مصر النهارده»)، كذلك أسفر عن تطوير شكل الشاشة المصرية وشكل نشرات الأخبار بإضافة نكهة بصرية عصرية يعلوها شعار بصرى ذو تصميم حديث ل«الهرم» الذى يرمز لمصر بامتياز، بعد سنوات ظل النسر بصورته الرسمية شعارا للقناة الفضائية المصرية. كان إنشاء وتطوير قنوات النيل المتخصصة كذلك خطوة حاسمة لدخول تليفزيون الدولة حلبة المنافسة بغزارة فى سوق الإعلام على مواد الترفيه من برامج منوعات وكوميديا ومسلسلات وحفلات وأغان. وبكل هذا وغيره، استطاع التليفزيون أن يمنح مشاهديه فى مصر والعالم العربى أوقاتاً غير محدودة من المتعة والترفيه وربما الضحك أو الإثارة، لكن فى المقابل، بهذا المنهج الذى يعتمد الترفيه والجذب أولوية واختياراً، لا يستطيع التليفزيون أن يسأل ولا أن يجيب عن المسائل العويصة التى تطرحها علينا حياتنا اليومية فى مصر عن انقطاع الكهرباء والمياه ومخزون القمح والقمامة التى تحيط بنا من كل جانب. لا يستطيع مثلاً أن يطرح سؤالاً حقيقياً فى صميم الواقع الطائفى المحتقن الذى يتفاقم يوماً بعد يوم، أو أن يناقش أيا من تلك الموضوعات بقدر من المسؤولية عن الغد. ورغم الشكل العصرى الذى تحقق للشاشات المصرية التابعة لتليفزيون الدولة فى الديكور وملابس المذيعين والإخراج والجرافيكس، فإن هناك تواطؤاً صامتاً بين مقدمى البرامج والضيوف، وربما الجمهور أيضاً، على أن ما يُسأل أمام الكاميرات ليس جدياً تماماً. لاشك أن «تليفزيون بلدنا» استطاع أن ينجز أشياء كثيرة خلال السنوات القليلة الماضية عندما توافرت الإرادة السياسية، لكنه فى المقابل عجز عن الإجابة عن سؤال مهم يتداوله حتى بسطاء الناس: طالما نمتلك كل تلك الإمكانيات، ماذا ينقص مصر لتكون لديها قناة واحدة كبيرة تنافس قناة «الجزيرة»؟