يشهد الله أننى لست طالبة عزلة أو قطيعة عن العالم أو عن خلق الله، وقد خلقنا الله سبحانه شعوباً وقبائل لنتعارف، ولكن هناك فرقاً وفارقاً بين أن أتعرف وبين أن أسكن وألبد فى محيط ثقافى لا يقبلنى حتى أنسلخ عن نفسى التى يرتضيها لى ربى ورسولى ودينى. إنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم بكل ما تعنيه الكلمة، فما فائدة رضائهم حين يكون مقابله غضب الله سبحانه وتعالى؟ المشكلة عندهم وليست عندنا، نحن الذين نحفظ من القرآن «لكم دينكم ولى دين»، نحن نقبلهم على ما هم عليه وليس علينا هداهم، لكنهم يركبهم «العفريت بكل ألوانه» عندما يروننا على صراط الاستقامة على دين الله الحق كما أمرنا سبحانه، فماذا نفعل؟ خلاص: فليضجوا ضجيجهم وأكمل كلامى! لم تحاول اللادينية/ العلمانية، واسمها الحركى الآن للعلم والتحذير هو «الدولة المدنية»، أن تتسيد فى بلادنا فى الحكم والمحاكم فحسب، بل حاولت وتحاول وتستميت فى المحاولات لتتمكن من تشكيل الوجدان ببث ثقافتها وفنونها وقيمها وقياساتها فيما هو صواب وخطأ وجميل وقبيح وضرورى وغير ضرورى فى كل شؤون الحياة، وعلى رأسها التربية والتعليم، تحت شعارات: التحديث والعصرية والتنوير والنقلة الحضارية، وكلها، كما رأينا وسنرى، أقنعة لرسالة التغريب والتخريب التى تريدنا أن نزدرى أنفسنا ونخجل من كل ما يمت إلينا بصلة عرباً ومسلمين، ومارست النخب اللادينية/ العلمانية، المسروقة من إسلامها دورها المرسوم فى اضطهاد ذات الأمة، وأصبح من المعتاد أن نقرأ عبارات مثل: «لىّ عنق الواقع والعودة إلى الوراء، إلى القرن السابع الميلادى، إلى عصور الجهل والظلام.. إلخ». وحين يتساءل متسائل: لماذا القرن السابع بالتحديد؟ يكتشف أنه القرن الموافق لبعثة الرسول النبى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم! لم ينس الدكتور توفيق الطويل أن يشير فى هامش بحثه إلى أن دعوة الولد أوجست كونت «1798/ 1857»، لديانة «الإنسانية» تتمثل فى مجموعة من الأبطال والعظماء والعقلاء الذين أسدوا إلى الإنسانية أجلَّ الخدمات فاستحقوا من أجل ذلك التقدير والإعجاب.. «ولذلك شرعوا فى إقامة التماثيل لعظمائهم، إذ إنه، كونت، .. قد رسم لديانة الإنسانية طقوساً ونظماً ينبغى أن يتجه إليها الجنس البشرى لعبادتها..»! ولا شك أن هذا يجعلنا نراجع العقلية والرؤية الثقافية، المفتونة فى بلادنا، التى تحمست جداً منذ مطلع القرن 19 الميلادى لإقامة التماثيل أسلوباً من أساليب التكريم للحكام والمشاهير من الساسة وأهل الأدب والشعر والثقافة، وكان ذلك فى معظمه محاكاة من دون وعى أو فهم أو إدراك لحقيقة كونها مظهراً وحصيلة فنية وثقافية لديانة لا نؤمن بها ولا تعبر عنا، فالمعروف أن ثقافتنا النابعة من الإسلام لا ترحب بتعظيم الأفراد ناهيك عن إقامة تماثيل لهم، كما أن أسلوب التجسيم والتجسيد المادى لا يتفق مع منهج التجريد الذى يدربنا عليه الإسلام، فتلك المسماة ديانة «الإنسانية»، اللاغية للديانات الإلهية المنزلة، كانت لابد أن تدفع أتباعها لإقامة تماثيل أبطالهم لتكون بمثابة أوثان معبودة تمتلئ بها ميادينهم ترنو إليها عيونهم فى إعجاب وتقديس. بقى أن أشير إلى كلام للدكتور مراد وهبة جاء فى سياق المنشور له فى «المصرى اليوم»، 10/10/2009، نفهم منه أن اللادينية تصل إلى نتيجة ترى «التسامح بلا حدود يدمر التسامح»، ذاكراً عن جون لوك: «.. رأيه أن الحاكم ينبغى عليه ألا يتسامح مع الآراء المضادة للمجتمع الإنسانى أو مع القواعد الأخلاقية الضرورية للمحافظة على المجتمع المدنى..»! إنه البطش اللادينى، الذى لا يرعى فى مؤمن إلاًّ ولا ذمة، نتوقعه ونحذر منه.