ونأتى للمعْلَمِ الرابع فى سياسة الأمن القومى عند إدارة بوش الثانية وهو محاربة الطغيان كقضية أمن قومى. كان من أهم سياسات الأمن القومى فى الفترة الأولى للرئيس بوش وما طرحه حول مبادرة الشرق الأوسط الكبير الداعمة للإصلاح السياسى والديمقراطية فى المنطقة، حيث جدد بوش التزامه بدعم الحرية والديمقراطية ومحاربة «الطغيان» وذلك فى خطاب تنصيبه للفترة الثانية فى يناير 2005. وأكد فى هذا السياق على العلاقة بين الحرية على الأرض الأمريكية والحرية فى الخارج، فقد ذهب بوش إلى أن «بقاء حريتنا فى بلادنا يعتمد بشكل متزايد على نجاح الحرية فى البلدان الأخرى. لذلك فإن سياسة الولاياتالمتحدة هى السعى إلى ودعم نمو الحركات والمؤسسات الديمقراطية فى كل بلد وثقافة، بهدف نهائى هو إنهاء الطغيان فى عالمنا». وفى خطاب حالة الاتحاد لعام 2006 ربط الرئيس بوش بين أمن الولاياتالمتحدة المستقبلى وإنهاء الطغيان، قائلاً: إن أمن أمريكا المستقبلى يعتمد على إنهاء الطغيان»، مؤكداً أن «كل خطوة نحو الديمقراطية فى العالم تجعل بلدنا أكثر أمناً». وفى كلمتها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ فى 18 يناير 2005، قالت كوندوليزا رايس: «أحد أنصع دروس التاريخ أن العالم سيكون أكثر أمناً وأمريكا ستكون أكثر أماناً عندما وحيثما تسود الحرية»، مؤكدة على الصراع ضد أيديولوجيا الطغيان والرعب». وقد أكدت وزيرة الخارجية فى كلمتها أن العالم يجب ان يطبق ما سماه ناتان شارانسكى اختبار ميدان البلده: ويتمثل فى لو أن شخصاً لا يستطيع أن يمشى وسط ميدان البلدة، ولا يستطيع ان يعبر عن أرائه أو آرائها دون الخوف من الاعتقال والسجن، أو الإيذاء الجسدى، حينئذ، فإن هذا الشخص يعيش فى مجتمع الخوف، وليس مجتمعاً حراً. ويبدو أن رايس هى التى أقنعت الرئيس بوش بأفكار ناتان شارانسكى (السجين السياسى السوفيتى السابق الذى تحول إلى سياسى اسرائيلى محافظ)، حتى صار ملهم أفكار الرئيس بوش بشأن الحرب على الطغيان. لقد قرأ بوش كتاب شارانسكى: «قضية الديمقراطية.. قوة الحرية فى التغلب على الطغيان والإرهاب» ودعاه إلى البيت الأبيض فى نوفمبر 2004 ليتحدث معه عن أفكار كتابه. وقال الرئيس بوش ل«سى إن إن»: «هذا الكتاب.. يلخص كيف أشعر». ويتناول الكتاب المحافظين «الواقعين» الذين يركزون على الحفاظ على الاستقرار والمصالح اليومية بدلاً من الدفاع عن قضايا نبيلة مثل الديمقراطية. ومثل شارانسكى فإن الموقف الفلسفى للرئيس بوش هو «النقيض لوالده»، على حد قول كينيث أدلمان مسؤول سابق فى إدارة ريجان وأمين سر تشينى، فبينما أعلى الرئيس بوش الأسبق من قيمة الاستقرار على الحرية فى الموقف من استقلال أوكرانيا فإن الرئيس بوش السابق يريد أن يكون «زعيماً للتغيير». وهناك العديد من التقارير التى شجعت إدارة بوش على السير قدما فى هذا الطريق، فقد قامت مجموعة مستقلة برئاسة مادلين اولبرايت، برعاية مجلس العلاقات الخارجية فى 2005 بإعداد تقرير للبحث فيما إذا كان دعم الديمقراطية يحقق المصالح المفضلة للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، ورغم أن الديمقراطية تنطوى على مخاطر محددة، فإن رفض الحرية يحمل مخاطر بعيدة المدى اكثر خطورة. لكن كما هو الحل مع مبدأ الاستباق، فإن محاربة الطغيان ظلت مبدأ نسبيا غير مطلق، ذلك أن الهيئات الإقليمية ونتائج التطبيقات المختلفة قد تأتى بنتائج ضد المصالح الأمريكية. ومن ثم فإنها تفرض على الإدارة قناعات جديدة. ويبدو صحيحاً ما رآه البعض من خضوع التطور الديمقراطى فى المنطقة العربية للعبة الضغط المتبادل بين الحكومات العربية والولاياتالمتحدة. وبهذا المعنى، تظل السياسة الأمريكية ساعية إلى دعم الإصلاحات السياسية وتقليص وضعية الاتوقراطية، بتأكيدها على أن كل بلد له ديمقراطية وطريقته الخاصة فى الديمقراطية على حد تأكيد رايس فى لقائها بالجامعة الأمريكية بالقاهرة فى 20/6/2005 يجعلها خاضعة للظروف الخاصة بكل دولة ويتيح التحكم بها عند الحاجة. والآن ننتقل الى المعلم الخامس والأخير فى تحولات إدارة بوش الثانية والمتعلق بعقيدة البنتاجون العسكرية والاستراتيجية.