بعد 15 عاما من توقيع اتفاقية السلام الأردنية - الإسرائيلية فى 26 أكتوبر 1994، وفى ذكرى إبرام اتفاقية «وادى عربة»، التى توافق اليوم، تواجه العلاقات الأردنية الإسرائيلية اليوم أزمة حقيقية، عبرت عنها عمان مؤخرا على أرفع مستوى سياسى تمثل فى العاهل الأردنى عبدالله الثانى بنفسه خلال مقابلة أجراها مع صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية يوم 10 أكتوبر الحالى، قال فيها إن العلاقة «تزداد برودة.. ومن المستحيل تقريباً أن يقوم أردنى الآن بزيارة إسرائيل». التصريحات التى جاءت قوتها كونها نابعة عن الملك شخصياً تضمنت انتقادات للعلاقات الفاترة المتمثلة فى أن «التجارة بيننا تقريبا غير موجودة، إذا ما استثنينا المدن الصناعية المؤهلة.. التى يمكن القول بشأنها أنها أيضا فى الطريق إلى الزوال». هذا الحديث عن «السلام البارد»، انتقدته عضو مجلس النواب الأسبق توجان فيصل، أحد أبرز وجوه المعارضة الأردنية المطالبة بإلغاء اتفاقية السلام، والتى قالت ل«المصرى اليوم» إنه «لا وجود لمقولة سلام بارد وسلام ساخن»، مشبهة موقف الأردن من معاهدة السلام «بحرد الزوجة، التى تتعرض للإهانة والسب وترفض مغادرة بيت زوجها»، وأضافت «لا توجد اتفاقية تمسخ دولة وتحولها إلى تابع مثل اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية والتى يتم السكوت عليها». وترى فيصل أن المجتمع الأردنى «كاره للمعاهدة» والدليل هو انزواء الفريق الذى وقع على الاتفاقية وشعوره ب «العار»، ورأت «أن ويلات السلام على الأردن أكثر بكثير مما لو كنا فى حرب مستمرة مع إسرائيل». من جانبه، اعتبر المحلل السياسى فهد الخيطان، أن «معاهدة السلام وبعد 15 سنة بدأت تفقد قيمتها السياسية بالنسبة للأردن، فقد أكدت تجربة السنوات الخمس عشرة بأن الاتفاقيات المنفردة لا يمكن أن تكون بديلا عن السلام الشامل والعادل»، وأكد الخيطان ل «المصرى اليوم» أن «تمسك إسرائيل بسياساتها الحالية تجاه شروط الحل العادل يعنى أن العلاقة الأردنية الإسرائيلية التى تزداد بروداً ستدخل فى حالة موت سريرى وتصبح المعاهدة حينها وكأنها جزء من الماضى». رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية فى الجامعة الأردنية، الدكتور نواف التل، نظر للأمر من زاوية أخرى وقال إن «أجواء معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية بعد 15 عاما على توقيعها تتناقض مع الأجواء التى كانت سائدة فى عام 1994، حيث كانت أكثر تفاؤلا وكانت العلاقات المصرية الإسرائيلية فى ذلك التاريخ الذى تزامن مع مرور 15 عاما على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى حينها بذات الروح من التفاؤل». أجواء التفاؤل حينها - حسب التل - أدت إلى توقيع عدد من البروتوكولات والمعاهدات فى مدة تتراوح بين 3 و9 أشهر، حيث تم توقيع أكثر من 14 اتفاقية لاحقة. أما رئيس لجنة حماية الوطن ومقاومة التطبيع فى النقابات المهنية المهندس بادى الرفايعة، فاعتبر أيضا أن هناك «حرصاً رسمياً أردنياً على المعاهدة مقابل الرفض الشعبى»، ويرصد بحكم موقعه «انحسار أعداد المطبعين فى الأردن، الذين كانوا دوما فى الحدود الدنيا، بفعل شعورهم بأن لا جدوى اقتصادية أو تجارية فى التعامل مع العدو». ولأن التوقيع على المعاهدة فى 26 أكتوبر 1994 فى وادى عربة، جاء كحصيلة لتفاعل عوامل عديدة ومتغيرات ومصالح إقليمية من أبرزها - أردنيا - الحفاظ على الأردن واقعا ومستقبلا، وأن أى حل للقضية الفلسطينية لن يكون على حساب الأردن، والاعتراف بحدوده الغربية، ووأد مشروع الوطن البديل، واستعادة الأرض المحتلة والحقوق المصادرة والمياه المسلوبة، وتحقيق الرخاء الاقتصادى ورفع معدل الدخل الأردنى والنهوض الحضارى، على حد تعبير رئيس الحكومة الأسبق ورئيس الوفد الأردنى المفاوض عبد السلام المجالى. وذكر المجالى فى تصريحات صحفية سابقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق آرييل شارون كان قد فكر فى اجتياح الأردن فى عام 2003 إبان الغزو الأمريكى للعراق، وذلك من أجل تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين، مبيناً أن اتفاقية السلام الأردنية لم تلغ فكرة الوطن البديل. ويرى أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامى السابق، زكى بنى رشيد، أن «اتفاقية وادى عربة كانت تغييراً فى المناخ الأيديولوجى الذى كان يرى فى الدولة العبرية جسماً غريباً»، استناداً إلى اعتقاد (إسرائيل) بأن «الأردن هو بوابة العالم العربى، خصوصاً بعد فشل مصر لتكون هى هذه البوابة، نتيجة فشل برامج التطبيع من جهة ولطبيعة موقعها الجغرافى من جهة أخرى» . ويعتبر بنى رشيد أن المعاهدة باتت هى المرجعية العليا الحاكمة والضابطة لإيقاع الحياة السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية فى الأردن، ومن أجل تمرير ذلك فقد تراجعت الحريات العامة، وأصدرت الحكومات جملة من القوانين المؤقتة، وتحويلها لاحقاً إلى تشريعات دائمة مقيدة بل ومدمرة لملامح التحول الديمقراطى والإصلاح السياسى، مدللاً على ذلك بالقول إن أخطر وأسوأ تلك القوانين قانون الانتخابات النيابية (الصوت الواحد المجزوء) الذى أقر عام 1993 ومازال ساريا حتى اليوم، تمهيداً لإنتاج مجلس نيابى يوقع ويمرر الاتفاقية.