أنا حالتى صعبة جداً يا جماعة: أعانى من صداع يذهب صباحا (فى الأغلب ليزور أشقاء مصريين) ويعود فى النصف الثانى من اليوم ليصاحبنى كالخل الوفى، عيناى تدمعان دون سبب، وبالتالى تعرفت على جميع أنواع قطرات العين لكن الطبيب المداوى قال المشكلة ليست فى عينى، ولكن فى قلب مكسور، وطبعا لم أصدقه، ليس لدى طاقة لعمل أى شىء مفيد فأظل أتخبط طول النهار من حائط لحائط (لا تسيئوا بى الظن من فضلكم) وعندما أجلس أظل أبحلق فى السقف (أى سقف أمامى) وأهيم فى الفراغ الكبير الذى يؤدى إليه ما يبدو أنه ثقب كبير فى دماغى. أما أخطر أعراض الحالة التى استعصت على الأطباء فهى أننى بدأت أرى كل الأشياء عادية ومقبولة بعد أن كنت دائمة التململ والتشكك فى تصريحات الحكومة وسياساتها. وجدتنى أقول لنفسى «مالها الحكومة يا جماعة. المشكلة فى أن عددنا كبير شوية وأننا شعب مشاغب لا يسمع الكلام. كان الله فى عون المسؤولين وقواهم علينا». أنا شخصيا لم أنزعج للحالة فقد كنت مشغولة بالبحلقة فى السقف. واستغربت كثيرا إذ رأيت أصدقائى قلقين على يفكرون ويتشاورون فى حلول، تقترح إحداهن أن أقيس الضغط يوميا حتى نتأكد أنه ليست لدى مشكلة، وتكلمنى الأخرى بنبرة طيبة مقترحة أن ننظم مواعيدنا كى «نخلع» من القاهرة عدة أيام إلى مكان ليس فيه سحب سوداء. وهنا انتفضت غاضبة وقلت لها «هل تلمحين أن ما أعانيه هو أعراض السحابة السوداء. يا بنتى دى إشاعات مغرضة والدليل الدامغ على ذلك هو تصريحات وزارة البيئة مؤخرا التى أكدت أن سبب ارتفاع حرارة الجو هو منخفض جوى قادم من جنوب ليبيا. أى والله. يعنى ليبيا هى السبب وما يعانيه المصريون هو محض تهيؤات». ولم أفهم النظرة التى أطلت من عينى صديقتى وهى تقول «لازم نهرب من القاهرة فى أسرع وقت ممكن». أما صديقى المهموم بالوضع السياسى فى مصر فترونه يفكر كثيرا وينفعل وهو يتابع بشغف مبادرة بعض القوى المعارضة للتوريث بإطلاق «حملة مناهضة التوريث فى مصر» واختيار د. حسن نافعة منسقا عاما، بينما أنا مشغولة بوضع القطرة فى عينى والانتقال بصعوبة بين الكرسى والكنبة. وعندما سألنى رأيى فيما يحدث نبهته إلى قضايا أهم تشغل بالى، على رأسها محاولة اختطاف الطائرة المصرية القادمة من اسطنبول إلى القاهرة على أيدى راكب سودانى شاب (28 عاما) تقول السلطات إنه كان «مخمورا»، وفى قول آخر «متعاطى كوكايين» وفى قول ثالث «مجنون»، المهم أنه أراد إجبار قائد الطائرة على الذهاب إلى القدس لتحريرها وقد استخدم فى عملية الاختطاف الفاشلة سكين طعام لسنا متأكدين إن كانت بلاستيك أو معدن فهى لابد فى المعمل الجنائى الآن. «مصر فى خطر يا أستاذ وأنت تفكر فى حملة مناهضة التوريث!». ولم أفهم أيضا النظرة التى أطلت من عينيه وهو ينهى الحديث ويذهب لإحضار كوب شاى ساخن من أجلى. لكننى كنت ذكية إذ أخفيت عن أصدقائى الكوابيس التى تزورنى ليلا: أفواج من الخنازير من كل الأحجام تطاردنى، تجرى ورائى وهى تضحك بينما فى خوفى أتعثر وأقع لأقوم بصعوبة وأنا أجرى نحو زجاجة ديتول فى نهاية الشارع المظلم. أصحو مفزوعة وأنفاسى تتلاحق وأصوات ضحكات الخنازير تأكل جمجمتى فأمد يدى إلى زجاجة القطرة أتجرع منها بضع قطرات تخفف من توترى وأجرى على زجاجة الديتول أتأكد أنها لم تختف من حياتى. عقد أصدقائى اجتماعا طارئا للتشاور فى حالتى ويبدو أنهم قد اتفقوا على سياسة الصدمات إذ قالت مها لى بنبرة حازمة «سحر عودى إلى عقلك، لا تستسلمى للسحابة السوداء والهواء المشبع بالرصاص وعوادم السيارات وقلة الأكسجين وخضروات الصرف الصحى والضوضاء والفوضى وغياب القانون. أنت قوية فعودى إلى نفسك المتشككة المتململة». لم أرد عليها فقد كنت مشغولة بتجرع آخر نقاط القطرة والتأكد أن الزجاجة الجديدة لا تزال فى جيبى.