قلت من قبل فى هذا المكان إن الحب أنواع، وشرحت ذلك أكثر من مرة، وأكدت أنه قادر على صنع المعجزات، وأسرد لحضرتك قصة واقعية حدثت قبل أيام تؤكد من جديد ما أعنيه. الحكاية تبدأ بحريق نشب قبل أيام بإحدى العمارات فى ميدان سفنكس بالجيزة، وكان صاحبى العزيز صاحب تلك القصة البطولية خارج منزله، واتصل به أولاده الصغار الذين يسكنون فى الدور الرابع عشر يستنجدون به! وهرع إليهم، وكان الحريق قد شب فى الطابق الثامن ثم امتد إلى التاسع، وعندما وصل وجد رجال الإطفاء يقومون بواجبهم، وصعد ثمانية أدوار بسرعة البرق على قدميه، فالمصاعد معطلة ووقف أمام النيران التى سدت الطريق عليه للوصول إلى فلذة أكباده وبينما هو يقف مذهولاً أمام الكارثة سمع من يناديه «بابا.. بابا» فاندفع نحوهم لا يأبه بالنيران فاحترق!! وتمكن رجال الإطفاء من إنقاذه بأعجوبة، ونقل إلى المستشفى فى حالة سيئة. وأتوقف أمام ما جرى قائلاً: يا سلام على تلك العاطفة النبيلة.. حب الأب لأولاده دفعه إلى أن يلقى بنفسه إلى التهلكة. وأنتقل إلى مشهد آخر، وفيه يتأكد لك أن من يمتلئ قلبه بالحب يبقى عظمة على عظمة.. توقعت بالطبع أن تكون زيارة صديقى المصاب ممنوعة لأيام طويلة نظراً لخطورة حالته، لكننى فوجئت بعكس ذلك فيمكنك زيارته فى أى وقت، وبالطبع أصابتنى الدهشة، لكنها سرعان مازالت عندما استعرضت حياته وتأكدت أن حب الناس فى قلبه وكيانه كله، ولا يستطيع الاستغناء عنهم حتى وهو فى حالة سيئة، بل إن التفاف أصدقائه حوله يرفع من معنوياته. وقد تأثرت جداً عندما استقبلنى بابتسامة من القلب بينما لا تجد أثراً لذراعيه فهما فى الجبس!! وواضح فى وجهه آثار الحريق، ومع ذلك رأيته يقول: «الحمد لله على كل حال»، وتأكدت من مشاهدتى له أن حب الله والإيمان الحقيقى به له فائدة دنيوية كبرى، فهو يحفظ الإنسان فى كل أحواله، فى المصائب يحفظه ويرفع من معنوياته، وفى السراء عندما يرتقى فى الدنيا لا يطغى ولا يتكبر لأنه مؤمن بربه! وصدّق أو لا تصدق، خرجت من زيارة صديقى وأنا أرثى لحال غير المتدينين! فالواحد منهم لن يستطيع تحمل تلك البلوى التى مرت بصديقى! بل هى كافية بتحطيمه، وبعدها سيرتدى نظارة سوداء ينظر بها إلى الحياة، ويلعن الدنيا والناس.. وحب الله له مفعول السحر فى حياة الإنسان، ومن يفتقده يخسر كثيراً فى الدنيا قبل الآخرة.. أليس كذلك؟