يا أخى تعال هنا، رايح فين، بذمتك أليس عيبا أن تتخلى عن القراءة لى لمجرد أننى اعترفت لك بالأمس بأننى مصاب بالأنفلونزا، يا سيدى إذا كنت قررت أن تنافس موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب فى الخوف على صحتك من الأنفلونزا، فهات الكمامة واقعد لاعبنى، لعلك تعيننى على وعثاء المضادات الحيوية، وكآبة الينسون، وسوء المنقلب من جنب لآخر فى السرير، مازلتَ متوجسا خيفة؟ يعنى تفتكر بذكائك لو كنت قد أصبت بأنفلونزا الخنازير، هل كنت سأقوى على الكتابة أساسا أو حتى سأرغب فيها، أيا كان تقديرى لحضرتك أو حبى للمثول فى حضرة الكتابة؟ مرة سألت العبقرى أحمد زكى، يووه، يا سيدى لا أعنى أن امرأة سألت العبقرى أحمد زكى، بل أعنى أننى سألت ذات يوم من أيام سنة 1999 العبقرى أحمد زكى كيف يقاوم مشاعر الاكتئاب التى تنتابه كثيرا، فقال لى بحماسه المعهود وهو يقوم بأدائه التشخيصى المبهر لكل ما يقوله «لو كنا فى الشتا أخش الحمام آخد دش سخن قوى وبعدين ألبس جلابية على اللحم وأطلع البلكونة فى نص الليل آخد فورا دور برد شرس يرقّدنى فى السرير وينسينى أشرس اكتئاب فى الدنيا»، لم أسأله يومها عما يفعله فى الصيف فقد كنا نجلس إلى جوار جهاز تكييف ضخم، هو الذى سألنى عن اقتراحاتى لمقاومة الاكتئاب، وعندما قلت له إننى لا أملك اقتراحا محددا لمقاومة الاكتئاب لأننى لم أشعر به من قبل، قال لى ساخرا «غريبة كنت فاكرك إنسان»، كانت مساحة العشم تمنعنى من إضاعة وقته فى إثبات أننى لست حلوفا، ولذلك قلت ببساطة «أنت تكتئب لأنك أحمد زكى.. أنا إنسان عادى ولست عبقريا لذلك لا أمتلك رفاهية الاكتئاب لأننى لو اكتأبت فلن أستطيع الخروج لعمل حوار صحفى مثل هذا يمكننى من دفع الإيجار». ومرت الأيام وأصبحت قادرا على دفع الإيجار وامتلاك رفاهية الاكتئاب، ومن ساعتها كلما اكتأبت أو أصبت بنزلة برد أتذكر أحمد زكى وأترحم عليه وأقرأ له الفاتحة، ثم أقرأ لى آية الكرسى والمعوذتين لكى يتوب الله علىّ من الاكتئاب الذى تهيجه علىّ أدوية البرد. لى أسبوعان أواجه فشلا ذريعا فى إقناع ابنتى الصغرى بقرار منعها من الذهاب إلى الحضانة لأنها لم تتجاوز السادسة كأختها، بالأمس تواصل فشلى فى إقناعها بسر جلوسى معزولا فى ركن من البيت تتعرض لصراخى «إبعدى هاعديكى» كلما فكرت فى الاقتراب منى وهى تقول لى حزينة «بابا ممكن بوسة»، قبل أن تنظر إلى أمها مندهشة من بكائها بفعل الموقف الدرامى الذى يليق بنزلاء عنبر فى حميات العباسية، والعياذ بالله، تصاعدت الدراما برنين تليفونى المحمول، رفعته متثاقلا قبل أن أنتفض من مكانى، بعد أن وجدت اسم أحمد زكى يضىء شاشته، صرخت ابنتى مفزوعة وارتمت فى حضن أمها التى ظنت أننى ربما تلقيت رسالة تحمل الخبر الذى ينتظره أغلب المصريين، أعنى خبر فوزنا على الجزائر فى كأس العالم لكى لا تفهمنى خطأ، استمر التليفون فى الرنين، وأنا لولا إدمانى لقراءة الروشتات للبحث عن الآثار الجانبية التى تحب أن تصاب بى، لكنت اعتقدت (مع تكرر رنين التليفون حاملا اسم أحمد زكى) أننى فى الجنة بإذن الله، وأن أبا هيثم يتصل بى لكى نعدى سويا على أبونا صلاح جاهين لكى أعتذر له عن الخطأ الفاحش الذى ارتكبته فى حقه بفعل مضاعفات أدوية البرد، عندما كتبت فى رثائى للجليل محمد السيد سعيد أن جدنا بيرم هو الذى قال «حتى الرسول مات وأمر الله لابد يكون» ناسيا أن جاهين قالها فى رثاء عبدالناصر «بس الفراق صعب وإحنا شعب قلبه حنون»، ترحمت على نفسى وعلى الجميع وقررت أن أشرح لجاهين كيف حدث اللبس عندما لجأت لرفع مناعتى بالاستماع إلى واحد من أنجع المضادات الحيوية على الإطلاق عمنا سيد مكاوى وهو يغنى «كان النبى والصحابة يجلسوا على الأرض.. سيدنا عثمان ماكانش عنده رتبة بيه»، أخذت أسأل نفسى «لكن دى بتاعة عمنا فؤاد حداد.. بيرم ليه فى نفس الشريط هاتجن ياريت يا خواتى مارحتش لندن ولا باريس.. أمال عزت الآلاتاوى بتاعة مين.. جاهين برضه»، توقف تدافع ذاكرتى الغنائية على صوت زوجتى وهى تستعطفنى أن أرد عليها أو أرد على التليفون، نظرت إلى الموبايل فوجدت اسم أحمد زكى يضيئه من جديد، سميت بالله ودست على «اليِس» ليأتينى صوت الغالى ابن الغالى هيثم أحمد زكى ضاحكا «كنت عارف إنك لازم ترد». أكتفى بهذا القدر من تخاريف الأنفلونزا راجيا أن تدعوا لأحمد زكى بالرحمة ولهيثم بالتوفيق، وادعوا لى أخفّ، ولا مانع أن تدعوا لى بالرحمة أيضا، إذا كنتم ترون أنها تجوز علىّ. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]