بسبب حمى التوريث، بدّلتُ موضوعَ هذا المقال فى اللحظة الأخيرة!..حاولت فى الأسبوع الماضى أن أهوّن عليكم وعلى نفسى المصائب التى نعيشها، فحدثتكم عن رئيس طاجكستان الذى رفع ابنته درجة فى سلم السلطة، بتعيينها نائبة لوزير الخارجية!.. لم تمض سوى أيام قليلة حتى جمع الزعيم الليبى معمر القذافى آلاف القيادات المحلية، وطالبهم (لاحظ كلمة طالبهم!) بإيجاد منصب رسمى لنجله سيف الإسلام يمكنه من تنفيذ برنامجه الإصلاحى!.. لم يكن من بين الآلاف رجلٌ فى شجاعة المرحوم الدكتور محمد السيد سعيد، ليقف أمام القذافى ويقول إن مواهب وذكاء ودبلوماسية سيف الإسلام ليست عملة نادرة فى ليبيا، وأن عشرات الآلاف من شبابها لا يقلون موهبة وإخلاصاً وحباً للوطن، وأن الفرصة التى أتيحت لسيف الإسلام للبرهنة على ذلك حُجبت عن أقرانه الليبيين.. وهذا هو الفرق!.. ربما دارت تلك الفكرة بخلد عدد من الحضور، لكن فى النهاية لم يسمع الزعيم سوى تصفيق حار وهتافات مدوية تأييداً لطلبه الذى دخل حيز التنفيذ بالفعل، حيث رُشح سيف الإسلام لرئاسة القيادات الاجتماعية الشعبية، صاحبة أعلى سلطة تنفيذية فى البلاد!.. وبما أن النجل يحتفظ فى قلبه بمكانة خاصة للوالد، فمن المؤكد أنه سيقبل عن طيب خاطر تحمل المسؤولية، لتصبح الصورة فى ليبيا على النحو التالى: يتفرغ القذافى الأب لمهامه الأممية ونظرياته السياسية ونشاطاته الدولية، ويضمن القذافى الابن الطريق إلى كرسى الرئاسة أو الزعامة، سمها كيفما شئت!.. أما بقية الإخوة فقد ساعدتهم مواهبهم لشغل مناصب عليا قبل سيف الإسلام بكثير، حيث يتولى المعتصم منصب مستشار الأمن القومى، ويدير هانيبال الأسطول البحرى، ويرأس محمد قطاع الاتصالات، ويتمتع خميس برتبة رفيعة فى الجيش، وتمارس عائشة نشاطات اجتماعية عن طريق ترؤسها العديد من المؤسسات الخيرية!.. اللافت أن الزعيم الليبى اختار مدينة (سبها) مسرحا لإعلان الدفع بنجله إلى الواجهة الرسمية، وهى نفس المدينة التى أعلن منها سيف الإسلام انسحابه من الحياة السياسية ودعوته لإنشاء مجتمع مدنى قوى فى ليبيا!..الفرق بين الإعلانين أربعة عشر شهراً فقط لا غير!.. يراهن القذافى (الأب والابن) على أن ذاكرة الشعب ضعيفة كذاكرة الدجاج، حسب مثل روسى شهير!..ما علينا!.. فى جميع الأحوال تبدو مهمة الرجلين سهلة، مقارنة بما يواجهه الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى من انتقادات واتهامات بالمحسوبية، إزاء (احتمال) تولى نجله رئاسة حى فى باريس!.. تتصدر هذه القضية فى الوقت الراهن المشهد الفرنسى.. هب معارضو ساركوزى فى وجهه وأمطروه بأسئلة صعبة.. سألته منافسته السابقة فى انتخابات الرئاسة سيجولين روايال: (هل نحن فى جمهورية؟ وما هى الجمهورية؟ إنها الاعتراف لمكانة كل واحد حسب كفاءاته الخاصة وليس حسب الاسم الذى يحمله!).. يحاول ساركوزى اجتياز هذا الموقف الحرج، ويرد بقوله: إن ابنه يذبح كضحية بغير حق لمجرد محاولته تولى المسؤولية فى مؤسسة عامة!.. تتبخر كلمات الرئيس الفرنسى وسط حملة يحذر أصحابها من انهيار الأسس التى بنيت عليها ديمقراطية ومبادئ الدولة!.. ربما يشعر ساركوزى فى داخله بالحسد تجاه القذافى.. ذلك هو أقصى ما يملكه ساكن الأليزيه، لأنه يوقن تماما أن باريس ليست سبها! [email protected]