شهدت أوبرا القاهرة الأسبوع الماضى، ولأول مرة فى مصر، حفلاً لفرقة فوبرتال للرقص الحديث، وهى من أهم فرق العالم، والتى استمرت قيمتها وشهرتها منذ أن تولت إدارتها وتصميم رقصاتها بينا باوش (1940- 2009) وهى من أعلام الرقص الحديث فى النصف الثانى من القرن العشرين الميلادى كراقصة ومصممة، توفيت باوش فى 30 يونيو الماضى، وهى فى انتظار الحضور إلى مصر فى أكتوبر، واستلهام الثقافة المصرية فى عرض جديد، وبعد أن استلهمت الثقافة الهندية عام 2007 فى عرض «بامبو بلوز».. وكان هذا العرض أحد عرضين تكون منهما حفل القاهرة، والعرض الآخر «طقوس الربيع» مع موسيقى سترافينسكى فى العمر الخالد بنفس العنوان، والذى يعتبر من تحف الرقص الحديث منذ أن قدم لأول مرة عام 1975، وقدمته فرقة باليه أوبرا باريس عام 1997. العرض هو ختام احتفالية معهد جوتة بالقاهرة باليوبيل الذهبى لتأسيسه، وجاء أروع ختام للمعهد الذى يحمل اسم شاعر ألمانيا الأكبر، وأحد أعظم من عبروا عن وحدة الثقافة الإنسانية، والتكامل بين الشرق والغرب فى تاريخ أوروبا والعالم. وكم كان من الضرورى أن يتكامل حفل بينا باوش، ويعرض أيضًا بعضًا من الأفلام التى قامت بتصميم رقصاتها، مثل رائعة فيلدينى «وتبحر السفينة» عام 1982، ورائعة آلمودوفار «تكلم معها» عام 2001، والفيلم الوحيد الذى آخرجته «شكوى الإمبراطورة» عام 1990هذا هو الحدث العالمى الثانى الذى تشهده دار أوبرا القاهرة هذا العام، بعد حفل المايسترو دانييل بارينبويم، والذى أثار جدلاً واسعًا حول الدافع لإقامته.. ولكن، وأيًا كان الدافع، فقد حظى عشاق الموسيقى بحفل بارينبويم، ثم بحفل بينا باوش، وعندما شاهدت أكثر من نصف جمهور الحفلين من المصريين، تذكرت الجهد الكبير الذى يبذله الفنان عبدالمنعم كامل للإعلاء من شأن الموسيقى فى زمن يغنى فيه البعض ل«الحمير» مع احترامى للحيوان الجميل، كما تذكرت فى حفل باوش الفنان وليد عونى الذى ساهم أكثر من أى فنان آخر فى صنع هذا الجمهور للرقص الحديث من خلال فرقته الرائدة فى دار أوبرا القاهرة. بدأ عمق بينا باوش فى عرضها الهندى من خلال مقاومة ألوان الهند القوية وشمسها الساطعة، فهو نموذج للتعبير عن ثقافة أخرى من دون التخلى عن ثقافة الفنان الخاصة، أما «طقوس الربيع» فهو فى شموله وجماله عمل يثبت أنها حفيدة جوتة الروحية حقًا، فلم تترجم موسيقى سترافينسكى، وإنما صنعت معادلاً لها من حيث التعبير عن جمال الوجود فى صراعه مع قوة العدم. [email protected]