الإسلام يؤيد مصالح المرأة، وأعطاها حقوقها كاملة، وأعلى قدرها، ورفع شأنها، وجعل لها ذمة مالية مستقلة، واعتبر تصرفاتها نافذة فى حقوقها المشروعة، وما تعانيه المرأة من مصاعب ومظالم لا يرجع السبب فيه إلى القرآن بل يعود إلى سوء تأويله والجهل والافتقار إلى توسيع المدارك، وقد وضعت الشريعة الإسلامية للمرأة مركزاً اجتماعياً أصبحت فيه كائنا بشرياً حياً على قدر ما سمحت به الظروف والزمان وأنها ليست سلعة تباع وتشترى، غير أن وراثة العرب القديمة - حسبما يؤكد إسماعيل مظهر - ظلت بالرغم من أن الشريعة تؤثر أثرها فى مركز المرأة فسلم الرجل بكل ما قررته لها من الحقوق المادية وحرمها من كل حق معنوى فأسرها فى البيوت والقصور. ونتيجة ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة، لا يد لها فيها تخلفت المرأة المصرية عن السير فى الطريق الشرعى المناسب لها، وظلت حبيسة الدار زمناً طويلاً راضية مرضية بالدور الحيوى الذى تؤديه داخل رحم الأسرة، زوجة وأما دون أن تعبر عن الألم النفسى الذى كان يعتصرها نتيجة ذلك، على الرغم من أنها كانت منذ بدء تشكيل معالم الخليقة شريكة للرجل لا يستطيع الأخير العيش - بعيداً عن روحها وعقلها وجسدها - دون مساندتها ومساعدتها له. واستطاعت المرأة المصرية بهدوء أن تتسلل إلى الحياة العامة نتيجة تلاشى العادات والتقاليد القديمة وزيادة أعباء الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بدأت مشاركة الرجل فى كثير من مجالات العمل بعد أن ارتوت من العلم ما يؤهلها لنيل أرفع المناصب، واعتلت المناصب الجامعية والمناصب المرموقة فى الهيئات والمؤسسات العامة، وعينت وزيرة وسفيرة، وشغلت جميع الوظائف القيادية. والدستور المصرى الحالى أكد المساواة التامة بين الرجل المرأة، وأنهما لدى القانون سواء فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهما فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، والنتيجة المترتبة على ذلك أن المرأة تتمتع بالحقوق التى يتمتع بها الرجل، ومن ذلك حق التعليم، وحق العمل، وحق الترشيح، وحق الانتخاب، وحق تكوين الجمعيات، وحق الانتماء إلى النقابات، وكذلك تلتزم المرأة بما يلتزم به الرجل من واجبات مثل أداء الضرائب، والمساهمة فى الحياة العامة، والحفاظ على الوحدة الوطنية، وصيانة أسرار الدولة. وقد أرست مصر - بعيداً عن محاولات التشكيك والاتهامات بالخضوع للضغوط الدولية ومسايرة الموجة - مبدأ المساواة بين المرأة والرجل فى مجال تولى الوظائف القضائية، فقد تم تعيين العديد منهن فى هيئة قضايا الدولة وفى هيئة النيابة الإدارية، وتولت المرأة رئاسة هيئة النيابة الإدارية فترتين متتاليتين، واعتلت منصة القضاء حيث صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 26 لسنة 2003 فى 22/1/2003 بتعيين السيدة تهانى محمد الجبالى عضواً فى هيئة المحكمة الدستورية العليا، وهى أعلى درجات السلم القضائى. وفى أبريل 2007 أصدر الرئيس مبارك القرار الجمهورى رقم 95 لسنة 2007 بتعيين 31 قاضية من اللاتى تم اختيارهن مؤخراً من بين 124 سيدة تقدمن لهذا العمل من عضوات هيئتى النيابة الإدارية وقضايا الدولة. وقد اتخذ مجلس الدولة قراره النابع من إيمانه المطلق بمبدأ المساواة وقواعد تكافؤ الفرص بإتاحة الفرصة للمرأة - لأول مرة فى تاريخه- للتقدم لشغل وظيفة مندوب مساعد دفعتى 2008 و2009 بالمساواة مع الرجل بعد أن استقر فى يقينه أن المرأة قد استوفت أسباب الصلاحية وحصلت على التأهيل العلمى والخبرة المناسبة دون أى إخلال بالمساواة فيما بينهما. ورداً على ما قد يلوّح به البعض من اعتراضات بخصوص عدم جواز تولى المرأة القضاء فى الشريعة الإسلامية وتخوفهم من الخلوة غير الشرعية فى حجرة المداولة بين الرجل والمرأة وسخريتهم من فترة الحمل والولادة، فقد ذهب ابن حزم الظاهرى وابن جرير الطبرى إلى أنه لا يشترط الذكورة فى ولاية القضاء، لأن المرأة يجوز أن تكون مفتية، وكذلك يجوز أن تكون قاضية، وأدلة هذا الرأى أن الأصل الإباحة ولم يرد دليل صريح بالمنع وخروج عائشة، رضى الله عنها، قائدة للجيش فى معركة الجمل، ولو كان تولى المرأة المناصب القيادية غير جائز لما تولت عائشة، رضى الله عنها، قيادة الجيش، ومن تلك المناصب منصب القضاء.. وعمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ولّى امرأة اسمها الشفاء محتسبة فى السوق، فلو كان تولى المرأة المناصب الكبرى محرماً لما فعل عمر ذلك وقياساً القضاء على الإفتاء، فبما أن المرأة يجوز لها الإفتاء كذلك يجوز لها القضاء إذ إنه لا فرق بينهما فكل من الأمرين فيه بيان لحكم الله. وفيما يتعلق بالخلوة غير الشرعية فى حجرة المداولة فإنه ليس كل انفراد واختلاء يعد خلوة محرمة، فقد روى البخارى ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك، رضى الله عنه، قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبى، صلى الله عليه وآله وسلم، فخلا بها، فقال: «والله إنكن لأحب الناس إلىّ» وفى بعض الروايات: فخلا بها فى بعض الطرق أو فى بعض السكك، وبوّب الإمام البخارى على ذلك بقوله: «باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس»، وضابط الخلوة المحرمة كما قال الشيخ الشبراملسى الشافعى فى حاشيته على نهاية المحتاج: «اجتماع لا تؤمن معه الريبة عادة، بخلاف ما لو قُطع بانتفائها عادة فلا يعد خلوة ومجرد إغلاق الباب إغلاقاً من شأنه أن يسمح لأى أحد بفتحه والدخول فى أى وقت لا يجعله من باب الخلوة المحرمة». والقول بأن طبيعة المرأة الأنثوية تجعلها تتعرض لحمل وولادة وهى بهذه الصورة لا تصلح لتقلد القضاء لأنها تسىء إلى هيئته ولا يتوافر فيها وقار القضاء، فإن الطبيعة التى لا يد لنا فيها وخلقنا الله عليها ليست محلاً للازدراء والسخرية من الآخرين، علاوة على أن هذه الحالة وقتية تصاحب المرأة خلال مرحلة عمرية معينة تنقطع معها، وهى فى مرحلة النضج الفكرى وفى ظل الوعى بتأثير الكثافة السكانية فإنها لا تتعدى الحدود المقبولة، وإذا كان هذا هو رأى البعض فإن حالة الحمل والولادة لا تستغرق إلا فترة زمنية قصيرة يمكن التغلب عليها بإعطائها إجازة.