الحديث مع عالم بقامة الدكتور فاروق الباز يأخذ دائماً أهمية شديدة، ليس لأنه فقط أحد أبرز العلماء المصريين خلال المائة عام الماضية، ولكنه أيضا أحد أبرز علماء «الجيولوجيا» فى العصر الحديث. ويكفيه أنه غير التاريخ عندما حدد البقعة التى سيقف عندها أول انسان على سطح القمر، وقام بتدريب فريق عمل المكوك الفضائى «أبوللو». وعرفانا بجميل أستاذه، أرسل ارمسترونج، أول إنسان تلمس قدماه سطح القمر، كلمات بسيطة إلى الأرض باللغة العربية، وحمل معه للقمر ورقة مكتوباً عليها بضع آيات من القرآن الكريم. وخلال حواره مع «المصرى اليوم»، الذى أجرى عبر الإنترنت، أجاب الدكتور فاروق الباز على الأسئلة بصدق عن كيفية الخروج من نفق تجاهل البحث العلمى فى مصر، وعن مشروع ممر التنمية، وكيف يمكن للحكومة والقطاع الخاص أن يلعبا سوياً دورا فى صناعة المستقبل. ■ كلما تحدثنا عن البحث العلمى وعن ضرورة أن تتبنى مصر مشروعا قوميا، واجهتنا مشكلة قلة الموارد.. كيف ترى ذلك؟ - قلة الموارد لم تقف حائلاً دون التقدم العلمى والتكنولوجى فى بلاد كثيرة أفقر منّا وأقل منّا موارد. صحيح، ربما تؤدى إلى صعوبة الحصول على الدعم اللازم للأبحاث، ولكن هذه الصعوبة يمكن أن تكون عاملاً لنشاط علمى متميز لإثبات النفس وزيادة القدرة العلمية. وعلى وجه العموم، فقد تغير الحال عمّا سبق، وتحسنت الأوضاع فى معظم البلدان العربية عما كانت عليه فى فترتى السبعينيات والثمانينيات، والتى كان أمامنا خلالها متطلبات ملحة، وكان المسؤولون يعتقدون أن البحث العلمى «ترف» لا تملكه سوى الدول الغنية. ■ ينظر الكثيرون للبحث العلمى على أساس أنه «بند إنفاق لا فائدة منه».. بماذا ترد عليهم؟ - كان ذلك فكراً خاطئاً ومتدنياً لأن البحث العلمى والتكنولوجى هو أساس النهضة الاقتصادية التى تساعد على حل حاجات الناس الملحة من غذاء وملبس وصحة وتعليم ونقل وما إليها. واليوم بدأت الكثير من الدول العربية تغير من منظورها تجاه البحث العلمى وبدأ البعض فى تخصيص 1٪ على الأقل من الدخل القومى للبحث العلمى، وهذه بادرة طيبة، لابد أن يقابلها سعى من العلماء لاستغلالها، ويجب على المشتغلين فى البحث العلمى الأخذ بزمام الأمر، والبدء فى مبادرات تشجع على استمرار الدول فى هذا الطريق الصحيح. وأعتقد أنها مسألة وقت.. وتبدأ هذه الأبحاث فى جنى ثمارها. ■ تأخرنا كثيراً ولا نعرف حتى الآن كيف نبدأ.. كيف نبدأ ومن أين؟ - أقترح منظومة للبحث العلمى تلائم الواقع وتؤهل للوصول إلى الغرض المنشود، وهنا يجب وضع ما يلزم من وسائل تضمن الشفافية الكاملة، ودعم الجيل الصاعد من الباحثين لأنهم من يستطيع الوصول بنا إلى مستقبل أفضل. ويمكن لهذه المنظومة أن تهتم بتشجيع القطاع الخاص على دعم الأبحاث التطبيقية والتى تتم بغرض زيادة الإنتاج أو إقلال تكلفة المنتجات أو اقتراح ما هو جديد. ■ أعتقد أنك تقصد القطاع الخاص فى مكان آخر غير مصر؟ - للعلم، القطاع الخاص فى أى مكان على استعداد كامل لدعم الأبحاث إذا ما ثبت أنها تدر ربحا، فالأمر بسيط ويتم حسابه بالورقة والقلم، لذلك فالقطاع الخاص فى أمريكا يصرف على البحث العلمى ضعف ما تصرفه الحكومة، لأنه يستفيد ماديًا من هذه الأبحاث . وعلى العلماء والباحثين العرب إثبات أنفسهم للقطاع الخاص المحلى لكى يقوموا بدعم أبحاثهم كما يتم فى بلدان كثيرة شرقًا وغربًا. ■ كثيرة هى علامات الاستفهام عن مشروع «ممر التنمية» الذى اقترحته.. ما قصة هذا المشروع؟ - لقد كتبت عن مقترح «ممر التنمية» لعامة الناس فى مصر أولاً بجريدة الأهرام، ثم تم عرض المقترح على لجنة وزارية برئاسة الدكتور أحمد نظيف فى 4 ديسمبر 2005، وطلب الدكتور نظيف وقتها إعداد دراسة المقترح من جميع جوانبه تحت إشراف وزارة التنمية الاقتصادية. وتكونت بعد ذلك هيئة علمية قامت بدراسات ميدانية لتقصى حقائق المقترح وانتهت بإعداد كتاب كامل عن المقترح. ■ والآن.. هل اتضحت الصورة النهائية بالنسبة للمشروع؟ - الدور المنوط بى نفذته، وأنا فى انتظار الخطوة القادمة، حيث يتم تقديم نتائج الدراسة للدكتور نظيف، وتقرر الحكومة خطوات العمل، مع العلم أن الدور الأساسى سيكون للقطاع الخاص من حيث التمويل والإدارة، ودور الحكومة سيكون تقنين العمل، وتحديد متطلبات التنمية فى الدولة، والحفاظ على حقوق الأجيال الصاعدة. ■ هل مازلت على صلة بمجتمع البحث العلمى فى مصر؟ - هناك جائزة باسمى أعدتها «الجمعية الجيولوجية الأمريكية» لتقدير الأبحاث العلمية المتميزة فى دراسة الصحراء. وأحد الحاصلين على هذه الجائزة الدكتور محمد سلطان الذى يدرس فى إحدى جامعات أمريكا، ويقوم بأبحاث عديدة فى مصر وبعض الدول العربية. وأيضا، تقدم «الجمعية الجيولوجية الأمريكية» جائزة أخرى باسمى تمنح لاثنين من طلبة الأبحاث لتشجيع دراسات الصحراء، وتعطى هذه كل عام لذكر وأنثى لتشجيع الطلبة والطالبات معًا. ■ وما الرسالة التى توجهها لشباب الباحثين فى مصر؟ - أهم ما أقوله لشباب المهنة هو الولاء لها أولاً وأخيرًا، فلا يصح أن يكون الولاء للقائد أو رئيس الهيئة أو أى فرد كان. ومن يحمل راية الولاء للمهنة يحترمه الرؤساء والزملاء والناس على حد سواء. إن نجاحى فى الأوساط العلمية الأمريكية المتقدمة ينبع فقط من ولائى الكامل لمهنتى كجيولوجى، وكان هذا الولاء – ومازال - يحدد كل تحركاتى وأقوالى وأفعالى، الأمر الذى جعلنى أحترم زملائى وإحرص على العمل الدؤوب لجمع المعلومات لأداء دورى على أحسن وجه. ■ كيف ترى الدور الذى يمكن أن تقوم به الصحافة، خاصة العلمية، فى بلد مازال ينظر للبحث العلمى على أساس أنه شىء خرافى؟ - الصحافة مهنة شريفة ومرموقة لأنها مسؤولة عن نقل المعلومات الصحيحة إلى عامة الناس بدقة متناهية بصورة سلسة يسهل هضم محتواها بواسطة غير المتخصص. ولذلك، هناك دور مهم جدًا للصحافة فى المرحلة المقبلة والتى نتوقع أن يتم فيها الإصلاح السياسى والاجتماعى والعلمى والمعرفى فى كل أرجاء العالم العربى. ويلزم لنجاح الصحافة فى أداء دورها، أن تعمل بدأب فى جمع المعلومات عن العلم تحديدا، ونشرها فى لغة بسيطة يفهمها الجميع، لأن المعلومة الخاطئة قد تؤثر على كثير من الناس دون وعى الكاتب. والصحفى الذى يبحث دائما عن المعلومة الصحيحة تزداد ثقته بنفسه، ويزداد احترام الناس له، لذلك.. نصيحتى لشباب الصحفيين هى العمل الدائم على جمع العلم والمعرفة والتحقق من صدق المعلومة لنقلها فى أحسن صورة إلى جماهير القراء. وهذا يضمن تثقيف المجتمع بشكل جيد.