هذه سطور فى تأصيل الليبرالية الوطنية وفى تحريرها من مختطفيها. ■ أدى النفوذ القوى لجماعة ليبراليى التطبيع إلى الحط من شأن النظرية الليبرالية.. حيث جرى اختزالها فى مجرد التطبيع الكامل مع إسرائيل.. وأصبح الفرقان بين الأيديولوجى والليبرالى هو الموقف من إسرائيل.. فكل من يقف ضد إسرائيل وضد التطبيع هو أيديولوجى مغلق من مخلفات عصر مضى وزمن انقضى، وكل من يتخذ موقفاً دافئاً تجاه إسرائيل وموقفاً داعماً لمجالات التطبيع هو ليبرالى منفتح يتقدم عصراً قادماً وزمناً آتياً. وهذه واحدة من أكثر الأفكار جهلاً وبؤساً.. ذلك أن عماد الليبرالية والرأسمالية ومجمل ما جاءت به الخطوط العامة لزمن الحداثة هو المصلحة.. فالليبرالية مصلحة، والرأسمالية مصلحة.. والفلسفة السائدة لهما هى الفلسفة البراجماتية النفعية التى تقوم على المتغير لا الثابت والمتحول لا المستقر. تقوم الفلسفة البراجماتية على فقه المصلحة، وهى تدور معها أينما دارت وتقف معها أينما حلت.. بل يجرى التكييف الأخلاقى والمعنوى على كون المصلحة أصلاً والمبدأ تابعاً. بهذه الفلسفة وحدها لا سواها يمكن تفسير كل زمن الاستعمار وما بعد الاستعمار، وبها يمكن تفسير السياسة الأمريكية التى تنحاز للديمقراطية والديكتاتورية سواء بسواء.. والتى تدعم المجاهدين وتقاتل المجاهدين بالعزم نفسه والرؤية ذاتها.. بهذه الفلسفة يمكن فهم السياسة الخارجية لدول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكثير من دول العالم التى خطت فى طريق التقدم الرأسمالى. هنا يتبدى بؤس ليبراليى التطبيع الذين جعلوا من التطبيع مبدأ لا مصلحة، وغاية لا سياسة وطريقاً استراتيجياً لا طريقة تكتيكية.. أصبح التطبيع أيديولوجياً، وطريقاً استراتيجياً، أصبح فكراً متخلفاً لا يتفاعل مع المحيط السياسى. وأضحى ليبراليو التطبيع صامدين صمود الأيديولوجيين القدامى، فإذا جاء شارون إلى السلطة.. لا جديد، وإذا تزامن نتنياهو مع ليبرلمان.. لا جديد، وإذا جرى سحق غزة بمن فيها.. لا جديد، وإذا جرى التضييق على مصر فى المحافل الدولية والمنتديات العالمية.. لا جديد، وإذا جرى خنق مصر فى السودان وأوغندا وإثيوبيا.. لا جديد، وإذا جرى إقامة أحلاف أجنبية ومد مظلة عسكرية أمريكية إلى المنطقة وتهديد استقلال الأمن القومى.. لا جديد. ليس ثمة جديد فى أى شىء من ذلك.. لأن ليبراليى التطبيع لا يملكون القدرات المعرفية الكافية لإدراك هذه الخريطة الكثيفة، ولا يملكون القرارات الفكرية لتطوير رؤاهم بتطور الأطراف الأخرى للمعادلة.. والأخطر أنهم لا يملكون الإخلاص الكافى للفكرة الوطنية ولا الفكرة الليبرالية! ■ ليبراليو التطبيع لا يفرقون بين الرأسمالية و«الفهلوة» ولا بين الليبرالية و«الفذلكة».. إنهم لا يفرقون بين «السبوبة» والوطن! [email protected]