غالبا لن تسفر الصفقة الناجحة التى توصلت إليها «حماس وإسرائيل»، برعاية مصرية - ألمانية، عن نتائج بعيدة المدى، وستقتصر نتائجها الإيجابية على إسعاد العائلات الفلسطينية بخروج بناتهن وأمهاتهن من سجون الاحتلال، فضلاً عن طمأنة أهل الجندى الإسرائيلى الأسير جلعاد شاليط، ببقاء نجلهم على قيد الحياة، ذلك أن جملة المؤثرات التى طرأت على سير مفاوضات تحرير شاليط، بما أفضى إلى الخروج بتلك الصفقة النادرة، رغم تواضعها، لا تعدو كونها تغيرات تكتيكية، وليست استراتيجية، وبالتالى فإن قبول «حماس» للشريط بدلا من «شاليط» لا يرجى منه إنجاز طفرة قريبة فى ملف الأسير الإسرائيلى، الذى يمثل الورقة الرابحة الوحيدة فى جعبة «حماس». ولحساب المكاسب الفلسطينية من هذه الصفقة، لابد من ملاحظة الآتى، أولا أن الجانب الفلسطينى لا يوضع كله الآن فى سلة واحدة، إنما هناك «حماس»، التى تدير غزة، والتى هى طرف رئيسى فى مفاوضات الوساطة المصرية، ولا شك أنها حققت مكسباً شعبياً كبيراً، كانت فى أمس الحاجة إليه، لاسيما فى هذا التوقيت سواء فى الشارع الغزاوى أو فى الضفة الغربية، بتحرير 20 أسيرة من مختلف الفصائل، رغم أنهن كن يقضين عقوبات مخففة بأية حال. وسياسياً، حققت «حماس» مكسباً نادراً ما تمكنت السلطة الوطنية، بقيادة «فتح»، على مر تاريخها فى إنجازه منذ «أوسلو»، بنجاحها فى إبرام صفقة تحرير 20 معتقلاً مقابل دقيقة فيديو واحدة، وهو ما انعكس فى الانتقادات الإسرائيلية الكثيرة التى واجهتها حكومة نتانياهو، خلال اليومين الماضيين، منذ الإعلان عن التوصل للاتفاق، فهناك من هاجم الصفقة، قائلا إنه كان ينبغى على الحكومة الإسرائيلية مبادلة شريط بشريط، وليس بعشرين أسيرة دفعة واحدة، وهناك من نقل انتقاداته سريعاً لساحات القضاء، مطالباً بسرعة وقف إتمام الصفقة. عكست تعليقات قادة «حماس»، من هنية إلى الزهار، احتفاءهم بتلك المكاسب، وبينما عمد الزهار إلى التأكيد على أن صفقة «الأسيرات -مقابل-الشريط» تمثل رسالة لإسرائيل بأن «لا شىء بالمجان»، بدا حقيقة الأمر كأنه يلقن غريمته «فتح»، وليس إسرائيل، درساً فى فنون التفاوض، وهو الانطباع نفسه الذى خلفته أمس تصريحات هنية بأن الصفقة تجسد «انتصاراً للمقاومة»، وذلك رغم الترحيب الرسمى الذى كان لابد وأن يخرج به الرئيس أبو مازن أمس خلال استقباله لهن وهو يؤكد أن الصفقة «مكسب لنا». إسرائيليا، جاءت الخطوة التكتيكية بتسلم الشريط المسجل والتأكد من سلامة شاليط، للاستهلاك المحلى أكثر منها لخدمة الصفقة وإنهاء الملف، بهدف تهدئة الرأى العام، والاحتجاجات المتصاعدة من قبل الجماعات الحقوقية التى كانت ومازالت تضغط على حكومتى أولمرت ونتنياهو من أجل تحريره. غير أنها فى الوقت نفسه حققت وبشكل غير معلن أهدافاً سياسية ملحة فى هذا التوقيت بالنسبة لإسرائيل، فمن جهة، ستسهم موافقتها على الصفقة فى تصوريها أمام المجتمع الدولى كطرف مرن فى المفاوضات، وهو ما سيخدم آنياً مواقفها المتعنتة فى ملفات أخرى أكثر حساسية واستراتيجية، مثل مستوطنات الضفة الغربية. كذلك يصعب تقييم الموقف الإسرائيلى فى تل ك الصفقة بمنأى عن تقرير «جولدستون» الذى صدر بحقها مؤخراً، والذى تسعى جاهدة على مدار الأسابيع القليلة الماضية لتبييض وجهها والحول دون وصوله إلى الأممالمتحدة للتصويت على مشروع قرار بشأنه يدين الانتهاكات الإسرائيلية فى حرب غزة، وهى الأزمات الطارئة التى ما إن تتخطاها إسرائيل حتى تعود إلى تعنتها التقليدى فى سائر الملفات.