هناك كثير من التشنج والانفعال العاطفى يدور على هامش معركة «اليونسكو» التى وضعت أوزارها بخسارة وزير ثقافة مصر فاروق حسنى- 71 عاماً- وفوز البلغارية إيرينا جورجيفا بوكوفا- 57 عاما- بمنصب الأمين العام للمنظمة الدولية للتربية والثقافة والفنون كأول امرأة تتولى هذا المنصب منذ إنشاء المنظمة عام 1945. هذا التشنج فى تفسير ما حدث من فشل وتبريره بنظرية المؤامرة ومخططات «الصهيونية العالمية» هو تبسيط وتسطيح مخل يجعلنا نغفل أو نتغافل عن قراءة دلالات الحدث ومقدماته ونتائجه، لأنها خسارة ليست فى الشكل فقط وإنما فى الجوهر فى ظل انقلاب موازين القوى وتفاوت الإرادات وتغير المصالح فى عالم تغير كلياً من حولنا ولم ندرك نحن ولم نعد نقدر على التعامل معه ولم تكن معركة اليونسكو الا أحد تجلياته الواضحة والساطعة. نعم قد نتفق بقدر مع نظرية التآمر التى أطاحت بالوزير الفنان مرهف الحس، ولكن من قال إن الصراعات فى العالم تدار بالنوايا الحسنة وتقبيل اللحى وزيف الوعود واعتبارات الدور التاريخى والريادة، فكل شىء مُسيّس وكل شىء يدار بالمصالح والصراع والتآمر وإظهار قدرات وإرادات حتى لو كان على منصب يتسم بالطابع الثقافى مثل اليونسكو. فالمعركة انتصر فيها القوى سياسياً ودبلوماسياً وكسبها من يهيمن على أوراق اللعبة وفشل فيها من لا يدرى كيف يديرها ويمسك بتلابيبها، فالجنوب الذى اعتبر حسنى نفسه رمزا له فى المعركة لم يعد هو الجنوب المؤثر والفاعل مثلما كان فى زمن آخر.. ومصر الدور والمكانة والرمز لهذا الجنوب لم تعد مصر القادرة على جمع من يجب جمعهم وحشدهم حولها، مثلما كان فى زمن ماض، ومثلما كان رصيدنا فى تنظيم المونديال الصفر الشهير كان رصيدنا فى الثقافة 27 صوتا لم تكف للنجاح فكان الفشل. فى الزمن الآخر كانت مصر القادرة تجمع وتحشد رغم كل التآمر والصراعات والحروب، يوم كانت هناك الهيبة والكلمة المسموعة لدى الأشقاء والأصدقاء والمواقف كثيرة.. فعقب إعلان فوز جنوب أفريقيا بتنظيم المونديال القادم وقف زعيمها المحترم نيلسون مانيلا يردد: «لو كان عبدالناصر موجودا ما حدث ذلك»- فى إشارة إلى صفر مصر فى التصويت. كان الجنوب الذى تحدث عنه فاروق حسنى هو الجنوب الذى تقوده مصر بمصالح وحسابات سياسية أيضا من أمريكا اللاتينية وحتى جنوب شرق آسيا. جاءت الخسارة صدمة جديدة وجرحاً آخر فى قلب مثخن بالطعنات والجراح للدولة وللرجل الذى نعتته الصحافة والدوائر الغربية السياسية بالوزير «الأوكسيد انتيليزيه»، أى المتغرب وغربى الثقافة والمظهر الذى قدم كل شىء من تنازل واعتذار عما اقترفه وصرح به ضد إسرائيل واليهود، ومع ذلك لم يشفع له كل ذلك وكان الضحية التى تستحق الشفقة، فلم ينفعه اعتذار عن حرق كتب وإعلان احترام لثقافة يهودية غير موجودة أصلا ودعوة موسيقى إسرائيلى للأوبرا أو عمليات ترميم هنا وهناك. كل ما نرجوه الآن أن يتراجع الوزير الفنان عن تصريحاته الانفعالية ومشروع «الحرب الثقافية» ضد إسرائيل لأننا لا نملك أسلحتها ولا ساحتها، فالحرب من الداخل هى الأجدى والمطلوبة بشدة الآن إذا كان فى منصبه بقية..!