ثلاثة أشياء تثير الرعب فى أوصال أى أمة: انتشار العنف العشوائى.. غياب العدالة الاجتماعية.. وافتقاد الحكومة للفهم السياسى.. والثلاثة - للأسف الشديد - باتت تفترش خريطة مصر من أسوان إلى الإسكندرية! من منا لا تسأله زوجته وأبناؤه: ما الذى يجرى الآن فى مصر.. لماذا تقع كل يوم جريمة دموية دون مبرر منطقى؟! من منا لم يواجه الخوف فى عيون المحيطين به.. ومن منا لم يفكر مليون مرة فى تحصين منزله بالحديد والحراسة، خوفًا من الذبح من أجل سد أفواه تقاوم الموت جوعًا.. ومن منا لم يضرب كفًا على كف، وهو يقرأ ويشاهد تفاصيل الجرائم، التى فشل علماء النفس والسلوك فى تفسيرها وتحليلها. وعندما نعجز عن التفسير والتحليل، لابد أن نعترف أن ثمة خللاً فى المجتمع بحاجة إلى المواجهة الجادة.. والمواجهة التى أقصدها ليست مسؤولية جهاز الأمن وحده.. فعلى مدى سنوات طويلة تعمدنا النوم العميق بإسناد كل الملفات لهذا الجهاز، وكأن بمقدوره منع وقوع الجريمة، وتعيين عسكرى لكل مواطن.. لذا دعونا نكن أكثر صراحة بالقول إن غياب العدالة الاجتماعية، والتجاهل التام لمشاكل ملايين المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، هما أحد الأسباب الرئيسية لتزايد معدلات الجريمة والعنف غير المبرر.. فالجوع، والإحساس بالقهر والتفاوت الطبقى، تصنع ألف مجرم كل يوم.. هؤلاء يتحولون إلى كائنات وحشية لا تتورع عن قتل أسرة كاملة من أجل حفنة جنيهات وجهاز موبايل.. ومهما وصلت العقوبات القضائية فلن توقف هذه الظاهرة.. فالإعدام ربما يصبح حلاً مناسبًا لشخص لا يجد مترًا واحدًا يلم جسده مساءً، ولا يضمن «رغيف وطبق فول» يشق به ريقه صباحًا.. لذا قال على بن أبى طالب «لو كان الفقر رجلاً لقتلته».. فقد كان - رضى الله عنه - يدرك جيدًا أن الفقر سيتحول حتمًا إلى قاتل، ما لم نقتله! والعدالة الاجتماعية لها أذرع كثيرة.. أهمها عدالة توزيع الثروة.. ومنها إيجاد مظلة ضمان اجتماعى مناسبة لملايين الجوعى والعاطلين عن العمل.. ومنها أيضًا القضاء على الفساد الذى يبتلع أى تحسن اقتصادى أو خطوات للأمام.. وليس منطقيًا أن تهطل أمطار النمو الاقتصادى على المواطن البسيط دون أن تمتلك الحكومة «عصا غليظة»، تضرب بها على يد كل من يحاول السطو على الملايين والمليارات.. والحكومات لا تقوى على ذلك إلا بالشفافية، وإعلاء شأن القانون، بحيث يصبح فوق الجميع، وبحيث يضمن كل مواطن حقه، حتى ولو فى «هدمة» رثة تستر جسده، ولقمة متواضعة تسد جوعه وتعصم يده من القتل والذبح. الفهم السياسى والاجتماعى للشارع المصرى فى المرحلة الراهنة هو الحل الأوحد، بدلاً من ترك الأمر برمّته لأجهزة الأمن، التى يجب أن تعمل على التأمين والمطاردة والتحقيق.. ففى كل دول العالم ليس من مهام الأمن تشخيص الحالة الاجتماعية والاقتصادية وحلها.. ولكن فى مصر.. تركت الحكومة الفقراء والمجرمين للأمن.. وحملت الأمن «الشيلة كلها».. والمحصلة: المزيد من العنف.. والمزيد من الجرائم.. والمزيد من الخوف.. ولكن أحدًا من المسؤولين عن هذا البلد لا يعرف أن العنف الفردى سوف يتحول حتمًا إلى عنف جماعى وعشوائى، ما لم نتحرك.. سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.. وليس أمنيًا! [email protected]