جلست في أحد الأيام أتذكر أيام طفولتي .. و تذكرت عندما كان يأتي لزيارتنا أصدقاء والدي و تذكرت أنهم كانوا كلما رأوني يسألوني (هااااا يا أمورة عايزة تتطلعي إيه لما تكبري؟؟) وكان ردي التلقائي هو (دكتورة سنان يا أونكل ...). و في يوم آخر جلست مع أصدقائي و ذكرتهم بهذا السؤال الذي يبدو الآن سخيفا .. و انتابني الفضول لمعرفة حلم طفولة كلا منهم و سمعت إجابات مختلفة (ضابط، طيار، بحار، مهندس، دكتور، مذيعة، وحتى أنني سمعت رئيس) و بعد أن سمعت الإجابات نظرت لهم أقول (ليه ما حدش فيكوا حاول يحقق حلمه الطفولي ؟) وجائت الهمهمة، فسألت مرة أخري (ليه ما حدش فيكوا عمل اللي كان نفسه فيه؟؟) فقالت أحدهم (يعني هو أنتي اللي عملتي اللي كان نفسك فيه ؟؟؟ ياااستي أهو نصيب)، و فكرت أنه بالفعل أنا أول من لم يتابع حلمه .. وعللت ذلك بأنه لعل وعسى أنا ومخي التخين السبب؟؟ ثم فكرت بأنني من الحأصلين علي ال96,5 % بالثانوية العامة ولم ألحق بكلية أحلامي .. و قلت في نفسي (ياااااه و الله ده الواحد مخه مش تخين ولا حاجة) وتوصلت في النهاية بأنه تعددت الأسباب والمصير واحد. وسيطر علي لبضعة أيام حلمي الطفولي وجلست أتخيل إذا ما كنت دخلت كلية طب الأسنان وقلت في نفسي (ياااااااااااه ده أنا كنت قلبت موازيين عالم طب الأسنان، ده أنا كنت هبقى أكبر دكتورة في بر مصر كله، و يا سلام بقي ع البالطو الأبيض) حتى أنني تخيلت شكل عيادتي و شكل التمرجي و الممرضة و حتي أشكال المرضي. و قررت بأن أول خطواتي بأنني إن تزوجت أريد الزواج بدكتور أسنان .. وإن لم يكن سأعد ابني أو ابنتي لدخول كلية طب الأسنان و انقطع حلمي باتصال من إحدي صديقاتي تسألني بالحضور إليها للجلوس في بيتها لبعض الوقت .. وشددت رحالي و نزلت .. أوقفت تاكسي و ركبت .. وبدأت الدردشة المعتادة من سائقي التاكسي .. وفجأة خطر في بالي السؤال الطفولي السخيف .. فقلت له: (ممكن أسأل حضرتك حاجة؟ هو أنت كان نفسك تتطلع إيه وأنت صغير؟) رد قائلا : (دكتور سنان)، وابتسمت وسكت فقال لي: (عارفة يا أنسة أنا معايا شهادة إيه؟) فقلت في بالي (هيكون إيه يعني، أكيد تعليم متوسط ده لو كان فيه تعليم أصلا) ولكنني رددت: (إييه؟) قال لي: (أنا دكتور سنان)، فقلت له و التكذيب في عيني و في رد مقتضب: (فعلا، طيب كويس)، فقال الشاب الأسمر:(مش مصدقاني؟) و مدد يده داخل جيبه أخرج شيء ما ومد به يده إلى .. أخذته ونظرت به وجدته كارنيه نقابة أطباء الأسنان وبالفعل وجدته عضوا بها .. نظرت له والخجل في عيني لتكذيبي له وأنا أقول: (إيه ده ؟؟؟؟!!!! ده بجد ,أمال أيه اللي مشغلك كده ؟؟؟!!!! ) نظر لي بالمرأة قائلا: (أمال عايزاني أشتغل إيه ؟؟) رددت : (أكييييد بشهادتك !!!! ) نظر لي بسخرية كأنني طفلة بلهاء و قال: (هو أنا لاقي آكل لما أفتح عيادة؟؟ عارفة يا أنسة حضرتك الجهاز الواحد بكام؟؟) و قبل ما حتى أرد بأنني لا أعلم أكمل هو: (بربع مليون جنيه، ده غير إيجار العيادة و متطلباتها والذي منه) فقلت له يجب أن تتمسك بحلم طفولتك و يجب أن تعمل بشهادتك .. رد قائلا بصوت يائس : ( والله حاولت, بعد ما خلصت الجيش وبالفعل أشتغلت مساعد تاني لأستاذ كبير بما أنني كنت من المتخرجين بتقدير إمتياز) قلت في بالي (كمان إمتياز) و لككني سألت و كلي ترقب : ( أمال ايه اللي حصل ؟؟؟!!!!! ) قال : (ولا حاجة كنت باخد 400 جنبه في الشهر, أعمل بيهم ايه أنا دول يا أنسة ؟؟ أحوش عشان العيادة و لا عشان الأجهزة ولا عشان أجيب شقة و اتجوز ؟؟ و لا أساعد أبويا الموظف البسيط اللي صرف اللي حيلته و اللي قدامه و اللي وراه عشان تعليمي..فتركت عملي عند الأستاد الكبير و أجرت هدا التاكسي باليوم لأحاول أن أكسب به الرزق .. و بكسب دلوقتي أحسن من عند الدكتور.. و أاهى ماشية و الحمد لله.. ) فقلت له و أنا مبتسمة كلي أمل و تفاؤل (كويس يعني بدأت تحوش تمن العيادة و الأجهزة) نظر لي بسخرية و رد ( ده علي ما أحوش تمنهم اكون بقيت ع المعاش و ده من غير الحق أجيب شقة و أجهز نفسي و أتجوز) ... و كنت قد وصلت الي مقصدي و نزلت من التاكسي و أنا كلي إحباط و حمدت الله علي أنني تخليت عن حلم الطفولة و فكرت (طيب هو راجل ,,انا بنت كنت هشتغل على تاكسي أزاى أنا؟؟؟ )و قررت بأنه أن أكرمني الله و شوفت جواز من أصله.. أول حاجة هعلمها لولادي لو حد سألهم (هاااا يا حبيبي عايز تطلع أيه لما تكبر...بأن يكون رده :(أرجوك يا أونكل , لا تسألني عن مصيرى) نهال علي ماهر