أثارت استقالة المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض، الكثير من الجدل فى الأوساط القضائية والسياسية خلال الأيام الماضية، وعلى الرغم من ذلك أعتبر الاستقالة تمثل رسالة شكلية أكبر من أن تكون نوعاً من التضحية، بحكم أن الخضيرى سيخرج إلى المعاش بعد أشهر قليلة، لكن لا أجد مبرراً قوياً ومستجداً يؤدى إلى هذا الفعل، فأوضاع القضاء كما هى، حتى مشروع المستشار ممدوح مرعى، وزير العدل، بتوسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى تم إجهاضه منذ عدة أشهر، بعد الاعتراضات الكثيرة عليه، وما يتسرب حالياً حول إعادة طرحه مجرد تخمينات لم ترتق بعد إلى درجة الحقيقة.. وإذا كان أسلوب الانسحاب «الاستقالة» هو الأفضل، فإن هناك أحداثاً كثيرة داخل القضاء كانت أجدر بمثل هذه الأمور، لعل أبرزها أزمة إحالة المستشارين مكى والبسطويسى للجنة الصلاحية. الأغرب أن تيار الاستقلال داخل قطاع القضاء قد مُنى بعدة هزائم خلال انتخابات نادى القضاة.. وكان يجب على رموزه الاعتراف بالخطأ بدلاً من توجيه الاتهامات يميناً ويساراً.. ولعل القضاة وهم فئة لا يمكن اتهامها بأنه تم توجيههم أو خضعوا لأوامر السلطة قد شعروا أن هناك توجهات خاطئة تبناها بعض أفراد تيار الاستقلال، أدت إلى انهيار شعبيتهم، منها الصدام مع الدولة وتسييس بعض أزمات القضاة، مما أدى إلى اهتزاز صورتهم لدى المجتمع واهتمام بعضهم بالمواقف الشعبية على حساب تقاليد القضاء.. ومع هذا لا أحد ينكر حسن قصدهم من الحفاظ على استقلال القضاء، ولكن فى المقابل لا يستطيع أحد أن يتهم رموز التيار المضاد بأنهم تسامحوا أو تنازلوا عن استقلال القضاء، بدليل أن المستشارين مقبل شاكر وأحمد الزند وإسماعيل البسيونى ورفعت السيد وغيرهم كانوا ضد مشروع «مرعى» بتوسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى.. بل إننا قرأنا تصريحات لبعضهم خلال الفترة الماضية يهاجمون بعض محاولات الوزير مرعى بانتقاص بعض المزايا من القضاة.. وهى أزمة توجب من عقلاء النظام التدخل، فلا يمكن أن يترك «مرعى» يفعل ما يشاء لتصبح جميع تيارات القضاة ضده وضد الحكومة والدولة.. وأن تغيب فضيلة الحوار بين رموز القضاة سواء من جلسوا على مقاعد الحكومة أو من لايزالون على منصة المحاكم. ■ ■ لقد دخل المستشار الخضيرى معارك كثيرة خلال الفترة الماضية اعتذر خلالها عن بعض مواقفه وتمسك بالكثير منها.. لكنى أرى أنه لم يوفق فى قراره بالاستقالة.. وإذا كان يرى أن هذا الموقف يمكن أن يؤدى للإطاحة بالمستشار ممدوح مرعى، فهذه رؤية خاطئة.. والأيام ستثبت أن استقالة الخضيرى ستكون أحد عوامل استمرار مرعى، رغم أزماته الكثيرة، لأننا فى نظام يحافظ على هيبته ويرفض الخضوع لمثل هذه الأمور لأنه سيخشى تكرارها.. وبالتالى ستتحول استقالة الخضيرى إلى «فرقعة»!!