الشىء المؤكد هو أن د. هالة مصطفى، رئيس تحرير مجلة «الديمقراطية» التى تصدر عن مؤسسة «الأهرام»، قد أخطأت حين استقبلت فى مكتبها، يوم الثلاثاء الماضى، السفير الإسرائيلى فى القاهرة، الذى جاء ليعرض عليها اقتراحاً بأن تنظم المجلة ندوة تشارك فيها شخصيات مصرية وإسرائيلية عن مستقبل عملية السلام فى ظل مبادرة أوباما المرتقبة، ومع أنها كما قالت قد رفضت الاقتراح، إلا أنها باستقبالها السفير الإسرائيلى ومناقشتها معه، خالفت قرار الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، الذى ينص صراحة على حظر كل أشكال التطبيع النقابى والمهنى والشخصى، بين أعضاء النقابة والهيئات والشخصيات والمواطنين الإسرائيليين، حتى تجلو إسرائيل عن جميع الأراضى العربية المحتلة، وتعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى. ذلك خطأ لا يبرره ولا يقلل من جسامته قول د. هالة إنها كانت على استعداد للاعتذار عن الزيارة، لو أن أحداً فى مؤسسة «الأهرام» أبلغها بذلك، خاصة أن أمن السفارة الإسرائيلية قام بالتنسيق للزيارة مع أمن المؤسسة قبل موعدها بيوم.. ففضلاً عن أن مدير مكتب د. عبدالمنعم سعيد، رئيس مجلس الإدارة، كان قد طلب إليها الاعتذار عنها إلا أنها لم تفعل، فقد كان من واجبها منذ البداية، أن تعتذر عن اللقاء بالسفير الإسرائيلى، بصفتها عضواً بنقابة الصحفيين، تلتزم بقراراتها بشأن التطبيع، حتى لو كانت إدارة «الأهرام»، قد وافقت على الزيارة، بل حتى لو كانت قد أمرتها بأن تقوم بها. وهو خطأ لا يبرره كذلك، قول د. هالة إن آخرين من الصحفيين العاملين فى «الأهرام» سبق لهم فى فترات سابقة، أن استقبلوا شخصيات إسرائيلية، وأن شخصيات من هذا النوع، شاركت فى ندوات ومؤتمرات عقدت فى «الأهرام»، وبدلاً من أن تقول إنها رفضت عرضاً من السفير الإسرائيلى بنشر قائمة بأسماء الذين استقبلوه من قيادات «الأهرام»، فقد كان من واجبها أن تخطر نقابة الصحفيين آنذاك بأسمائهم، وفضلاً عن ذلك كله، فإن الخطأ لا يبرر الخطأ. ما فات على د. هالة مصطفى، هو أن المخاطب بقرار حظر التطبيع هم أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين دون غيرهم من العاملين فى المؤسسات الصحفية، فهو قرار لا يلزم فعلاً أصحاب الصحف الخاصة أو العاملين فى الإدارة والإعلانات والأمن وغيرها من الأقسام غير الصحفية، إلا إذا كان من يشغل أحد هذه المواقع صحفياً، وهو ما فات كذلك على الذين يطالبون مجلس إدارة «الأهرام» بإحالة د. هالة إلى إدارة الشؤون القانونية بالمؤسسة للتحقيق معها بسبب استقبالها السفير الإسرائيلى، وهو مطلب يفترض أصحابه بحسن نية تصل إلى حد السذاجة أن لائحة «الأهرام» الداخلية، أو غيرها من الصحف، تحظر على الصحفيين فيها اتخاذ مواقف سياسية معينة، وتعتبر ذلك مخالفة إدارية تستوجب العقاب، وهو باب أتمنى ألا نفتحه حتى لا نكتوى بناره.. مهما كان تقديرنا لجسامة الخطأ الذى وقعت فيه هالة مصطفى. أما أخطر ما قالته د. هالة، فهو أن وزارة الخارجية المصرية هى صاحبة الفكرة فى عقد الندوة، وفى الترتيب لزيارة السفير الإسرائيلى لرئيس تحرير «الديمقراطية»، ولو صح هذا فنحن أمام طبعة جديدة من سيناريو «تحالف كوبنهاجن» الذى كان صاحب الفكرة فيه هو الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، الذى تمنى على عمرو موسى، وزير خارجية مصر آنذاك، أن يسعى لتشكيل تجمع شعبى يتعاون مع حركة «السلام الآن» فى إسرائيل، لتشجيع المعارضة الإسرائيلية لحكومة «نتنياهو» اليمينية الأولى، وإثارة القلاقل فى وجهها، بسبب موقفها الرافض للسلام.. وهو ما تحمس له فريق من المثقفين والصحفيين المصريين الوطنيين، كان منهم المفكر الراحل لطفى الخولى ود. عبدالمنعم سعيد، والسفير الراحل صلاح بسيونى، وفى تقديرهم أنهم يقومون بدور وطنى، وبتكليف من قائد حركة التحرير الوطنى الفلسطينية، ويمارسون نوعاً من الدبلوماسية الشعبية، سبق لكثيرين أن قاموا به فى الكواليس مع إسرائيل وغيرها، فى عهود ما قبل الثورة وما بعدها، بما فى ذلك عهد الرئيس عبدالناصر.. فإذا بالعواصف تحيط بهم من كل جانب. وكان من رأيى آنذاك، أن الصحفيين من أعضاء «تحالف كوبنهاجن» قد أخطأوا حين قبلوا القيام بهذه المهمة، دون أن يستأذنوا مجلس نقابة الصحفيين، لكى يستثنيهم من قرار الحظر، إذا قدر أن هناك ضرورة لها.. وهو الخطأ نفسه الذى وقعت فيه د. هالة مصطفى! ولنا عودة.