مجزرة دبابات وقتلى وإصابات بالعشرات، حزب الله ينفذ أكبر موجة هجمات ضد إسرائيل منذ بدء الحرب    تعتذر عن إبادة وترتكب أخرى؟ فلسطيني يحرج بايدن أثناء حديثه عن الهنود الحمر (فيديو)    رسميا، الأهلي يخوض نصف نهائي الانتر كونتيننتال على ملعب 974    اتحاد الرهبانيات في الأردن يعقد لقاءه الأول لهذا العام    تسهيلات جديدة بعد مد فترة التصالح في مخالفات البناء    الأسهم الأوروبية تنهي تداولات الأسبوع على انخفاض طفيف    محافظ كفرالشيخ: إزالة بناء مخالف على أرض زراعية بالحامول    الوزراء: مصر تتصدر إفريقيا في سرعة الإنترنت    فصل الكهرباء عن مدينة سمالوط غداً السبت لمدة 5 ساعات.. التوقيت والمناطق    مطرانية ملوي بالمنيا تكشف سبب إحلال وتجديد الكنيسة المرقسية    ختام الاجتماع الفني بشأن التحديات التي تواجه الهيئات الرقابية النووية    وزارة الصحة في غزة: الجيش الإسرائيلي يطلق النار داخل مستشفى كمال عدوان في جباليا    شركة نرويجية تبيع حصتها في شركة تكنولوجيا أمريكية لتعاونها مع إسرائيل    متخصص بالعلاقات الدولية: هناك توافق غربي بشأن ضرورة الاستفادة من ثروات دول أفريقيا    إعلام أوكراني: سماع دوي سلسلة من الانفجارات في كييف    بيان عاجل لجامعة الأزهر بشأن أنباء تسمم طالبات المدينة الجامعية بالأقصر    رياضة ½ الليل| فوز القطبين.. صدور التعليمات.. تصدع الأهلي.. ليفربول يفاوض مرموش.. و«استوري» إمام عاشور    غلق القيد الصيفي للدوري الممتاز للموسم الجديد 2024 - 2025    إشبيلية يتغلب على إسبانيول بهدفين في الدوري الإسباني    المرج يواجه سبورتنج كاسل في افتتاح القسم الثالث    أهلي جدة يتعادل مع الأخدود 1/1 في دوري روشن السعودي    النصر يتعادل مع الخلود 3-3 في الدوري السعودي    رين يتفوق على لوهافر في الدوري الفرنسي    النائب العام يلتقي سكرتير الدولة للعدل الإسباني.. صور    انتشال جثة شخص من مشروع ناصر بعد 24 ساعة بالبحيرة    ضبط سلاح ناري وهيروين مع 3 متهمين في كفر الشيخ    تفاصيل إصابة سيدة أثناء نشر الغسيل بالجيزة.. وقع بيها سور البلكونة    تفاصيل مقتل شاب بطعنة في الصدر بالعمرانية.. بسبب معاكسة فتاة    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص بأوتوستراد المعادي    شجار على كلب ينتهي بمقتل شاب في المحلة الكبرى    الجرأة على البساط الأحمر.. إطلالات تخطف الأنفاس في مهرجان الجونة السينمائي    "المروحة الورقية" وسيلة نجوم الفن لمقاومة الحر في مهرجان الجونة السينمائي    نشرة التوك شو| انتقادات لهدم قبة حليم باشا التاريخية وتوجيهات بتوطين صناعة أدوية الأورام    مينفعش يتلبس في مهرجان.. هكذا علق ناقد موضة على إطلالة هذه الفنانة في الجونة    نقابة الصيادلة: تكليفات رئاسية بتوطين صناعة أدوية علاج الأورام    مؤتمره العام الدوري .. المصرى الديمقراطي يبحث خطة الحزب وأداء نوابه    خبير: القوات البحرية قادرة على حماية المياه الإقليمية والمصالح الوطنية    أخبار توك شو| تحذير عاجل من الأرصاد عن الطقس.. إسرائيل تستهدف القوات الأممية في لبنان.. الدولار ينخفض أمام الجنيه في هذه الحالة    حظك اليوم برج الجدي السبت 26 أكتوبر.. انتبه للتفاصيل    نقيب الصحفيين: جرائم الاحتلال تشكلت أمام تواطؤ دولي مستمر    رسميا.. فتح باب الحجز لشقق «سكن كل المصريين 5» في هذا الموعد    برامج دعوية للأطفال بإدارتي أوقاف المقطم وشرق القاهرة    وقع بيها جزء من سور البلكونة، تفاصيل إصابة سيدة أثناء نشر الغسيل بالجيزة    حسام موافي يوضح العلاقة بين وظائف الكبد ومرض الصفراء    هيئة الدواء تحذر من انتشار عبوات مجهولة المصدر لحقنة شهيرة خاصة بالحوامل    ضمن مبادرة «بداية جديدة».. خالد عبد الغفار: 100 يوم صحة قدمت أكثر من 135 مليون خدمة مجانية خلال 85 يوما    دنيا عبد العزيز ترزق بمولودتها الأولى: «محتجالك يا أمي» | صورة    الصحة تنظم جلسة حوارية حول الديناميكيات السكانية والاستدامة التحديات والحلول    برئاسة فريد زهران.. ننشر تشكيل المجلس الرئاسي للحزب المصري الديمقراطي    غدا.. قصور الثقافة تطلق المرحلة الثالثة لورشة اعتماد المخرجين الجدد    وزير الأوقاف والمفتي ومحافظ السويس يشهدون احتفال المحافظة بالعيد القومي    أم إبراهيم.. 5 سنين بتأكل زوار إبراهيم الدسوقي بكفر الشيخ: كله لوجه الله    محمود حميدة: «تكريمي في مهرجان الجونة خلاني أعرف قيمتي عند الناس»    خطيب الجامع الأزهر: خيرية الأمة ليست شعارا بل نتيجة لامتلاكها مقدمات النجاح    مواقيت الصلاة .. اعرف موعد صلاة الجمعة والصلوات الخمس في جميع المحافظات    خطيب المسجد الحرام: شعائر الدين كلها موصوفة بالاعتدال والوسطية    عيار 21 بكام.. الذهب يواصل ارتفاعه الجمعة 25 أكتوبر 2024    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: مد فترة التصالح في مخالفات البناء.. مفاجأة بشأن إهدار شيكابالا ركلة الترجيح أمام الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنف الأسود بين شرطة الفن وشرطة الواقع
نشر في المصري اليوم يوم 14 - 09 - 2009

يبدأ فيلم «إبراهيم الأبيض» بمشهد قتل الأب أمام عينى الطفل، إثر صفعة من الأم لجارتها زوجة الجزار، بعد مشادة معتادة حول لعب الأطفال. وهو حادث تمتلئ به صفحات الحوادث يومياً، ولم يطلب أحد تبريراً له، ومع ذلك فإن بعض من كتبوا عن الفيلم سألوا عن المبرر الفنى لهذا القتل الذى يفتقر إلى الإقناع!
والخميس الماضى فُجعنا فى الروائى توفيق عبدالرحمن، الذى اهتمت صفحات الحوادث بصفته الوظيفية (وكيل سابق لوزارة الإعلام) وقد راح ضحية جريمة قتل، تنتمى لأجواء فرانز كافكا العبثية، لا إلى أجواء روايات توفيق نفسه، الواقعية الأقرب إلى السيرة الذاتية.
سيارة ميكروباص بلا أرقام، تسير بحرية فى العجوزة مثل آلاف غيرها تجوب شوارع القاهرة بأرقام ومن دون، ويُسيّرها مجرمون أو مجرمون محتملون، صدمت سيارة توفيق عبدالرحمن.
فى حالة كهذه ليس أمام شيخ سبعينى، يعانى من آثار حادث مرور سابق إلا أن ينزل يعاين سيارته ويطلب من السائق الآخر انتظار معاينة البوليس. ويبدو أن ذكر البوليس هذه الأيام هو كلمة السر التى يعرف منها المجرمون والمجرمون المحتملون أن من يقف أمامهم قادم من كوكب آخر، ويتحدث عن مصر أخرى، وفى أحسن الأحوال فهو مستيقظ من نومة أربعين سنة على الأقل، لكى يتحدث عن هذا الشىء!
وهكذا اكتشف السائق زيف العملة التى يحملها خصمه، ولم يكلف نفسه عناء دهسه، فطلب من التباع تأدية هذه الخدمة، وقد أداها التباع من دون أن يطرف له جفن، ركب السيارة وسار فوقه!
مات توفيق عبدالرحمن على الأسفلت. ولا نعرف إن كان ابن حكمدار قد وجد الفرصة للتفكير فى شناعة ما حدث، فهو ليس إبراهيم الأبيض لكى يستسيغ حالة الهياج التى أصابت السائق من ذكر كلمة البوليس، فقد عاش ابن رجل الأمن معتزاً بفكرة القانون والحدود والحقوق والعقوبات بين البشر.
وما تعرض له ليس القتل عقاباً على صفعة، يراها نقاد الفن أقل من أن تقود إبراهيم الأبيض إلى الإجرام، بل مات بلا سبب سوى أنه يتكلم لغة قديمة أمام واحد من سكان الغابة، الذين يمر أحدنا بجوارهم كل يوم ويعود إلى بيته بصدفة.
وبصدفة مختلفة يمكن لأى منا أن يكون توفيق عبدالرحمن ولا يعود إلى بيته، بسبب خلاف مع سائق الميكروباص يسد الطريق أو نقاش على مسار الرحلة أو صوت المسجل أو زيادة التسعيرة، أو بدون سبب على الإطلاق سوى الحر والذباب.
ويمكننا أن نقول الكثير عن غياب أمن المواطن، وهو صحيح وأسبابه كثيرة ومعروفة، وفى القلب منها هذا العدد الكبير من المسؤولين والشخصيات العامة المطلوب من الشرطة تأمين كل منهم مرتين فى اليوم الواحد، فى حال قرر الخروج لمرة واحدة، وبعضهم يقطع المدينة «رِجْل غراب» من أقصى الغرب أو الشرق فى الضواحى الجديدة إلى مقار الحكومة والحزب وحزن الشعب والشورى فى وسط القاهرة.
لكن ظاهرة انعدام الأمن لا تقتصر على العاصمة وحدها، بل تشمل كل أقاليم مصر، وتتخطى بالتالى السبب الكلاسيكى الذى تعانى منه العاصمة (تغليب الأمن السياسى على الأمن الاجتماعى) كما أنها تتخطى الأسباب الأخرى وإن كانت موجودة مثل النقص فى التمويل والاستعداد، كما تتخطى مشكلة رضا رجل الأمن عن دخله، وهى مشكلة تؤرق الشباب فى كل المهن، لكنها باتت ظاهرة تخص فلسفة الحكم.
وقد تكون كلمة الفلسفة كبيرة على نظام البزرميط الذى يحاول بكل السبل التشبث بظهر الأسد، أى البقاء متوازناً فى قمة السلطة، بأى ثمن، وأينما ذهب به الأسد؛ دخل غابة أو قفز فى «رشاح مجارى»، أكل من يقابله أم أكل بعضه وأشباله.
ولن نفترض أن التباع أو السائق يقرآن الصحف ويعرفان أن هناك أخباراً عن وجود وزير أجنبى لا يحمل الجنسية المصرية، من دون أن يكذبها أو يثبتها أحد، وسنفترض أنهما لا يعرفان أن لصاً كوفئ بمنصب رفيع بدلاً من إلقائه فى السجن عقب عزله من منصبه الوزارى، لكنهما بالتأكيد يعرفان أن الحكومة لم تعد تعنى لهما إلا مخالفة المرور وضريبة التجديد وإتاوة الكارتة، ولا شىء أكثر من هذا.
لم يعد نظام البزرميط يسعى إلى ترسيخ شرعية من خلال العطاء، بحيث يصبح وجوده مقبولاً، ويصبح وجود الدولة طبيعياً عند لحظة العقاب، طالما هى موجودة لحظة الثواب.
هذا هو قانون الإدارة، ينطبق على الحكومة كما ينطبق على النظام العرفى فى الريف والبادية، حيث لا يمكن أن يعد من الأعيان أو يصبح مسموع الكلمة أى فقير، حتى لو كان عقله يزن عشرات من عقول الأعيان الذين يمتثل الناس لهم وينزلون على كلمتهم لمجرد أنهم أصحاب أملاك ولهم أياد على الآخرين.
وغياب الدولة هو الذى جعل السائق يستشيط غضباً لمجرد أن يطلب الراحل توفيق عبدالرحمن تحكيم البوليس. ولو كان توفيق عبدالرحمن يعرف أننا نعيش فى ظل البزرميط وطلب تحكيم صاحب مائدة الرحمن التى سيتناول السائق والتباع إفطارهما عليها أو طلب تحكيم إمام المسجد الذى سيعطيهما كسوة وعيدية أولادهما، فربما كانا قد قبلا بالحكم وما غضبا إلى حد القتل.
وليس فى هذا أدنى تبرير للجريمة، بل على العكس أتمنى أن تثبت فيها تهمة القتل العمد، لكن هذا لا يقدم ضمانة على أن مواطنين آخرين لن يلقوا المصير العبثى الذى لقيه الروائى توفيق عبدالرحمن، طالما استمر النظام فى تأخير نفسه وتقديم رجال الأعمال ولجان الحزن الوطنى كآباء بدلاء لمجتمع يتعرض لأسوأ عملية الإذلال، عبر اقتصاديات الإحسان التى تجبره على تقبيل أيدٍ يتمنى قطعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.