10 أيام مرت على الرسالة التى أثارت جدلاً فى جميع الأوساط «من جمال مبارك إلى رئيس تحرير روزاليوسف».. خلال هذه الفترة أيقنت أن القارئ المصرى بات أكثر وعياً وذكاءً من النخبة والأقلام التى تتوهم أنها تشكل عقله ووجدانه.. القارئ فَهِم مغزى الرسالة، وأدرك أنها افتراضية.. رسالة تمنى كاتبها أن يرسلها جمال مبارك لهذا ال«رئيس تحرير»، حتى يمنح الجيل الجديد نموذجاً يفتقده، وقدوة لا يراها.. غير أن هذه الرسالة الافتراضية، التخيلية، لم ولن تتحول إلى حقيقة.. وفى ذلك إدانة لمن لم يرسلها.. ولمن لم يتسلمها.. الاثنان يعجبهما الوضع الحالى!! وربما كانت الأيام الماضية فرصة كافية ليطلق كل منا عنان خياله، علّه يضع أو يتوقع الجزء الثانى من هذه الرسالة.. وما دامت الرسالة الأولى نشرت هنا، فقد تحولت إلى حق عام لنا جميعاً.. من حقك أن تستكملها أنت، كما تتخيلها، ومن حق الآخرين أن يضعوا نهايات مختلفة لبداية واحدة.. أما أنا فدعونى أستكمل الرسالة كما تخيلتها، وربما يكون الجزء الثانى مفاجأة لم يتوقعها الكثيرون. سيدى.. جمال مبارك.. تلقيت رسالتك الغاضبة، التى طالبتنى فيها بعدم الدفاع عنك أو مهاجمة خصومك.. وقد كان لافتاً أنكم يا سيدى تتجهون إلى الاستغناء عن خدماتى خلال الفترة المقبلة.. ودعنى أصارحكم القول إننى أشم هذه الرائحة منذ عدة أشهر، لذا كان علىّ أن أكثف عملى، وأرفع درجة الاستشعار، حتى لا يتكرر معى ما حدث مع آخرين، استعملهم النظام الحاكم حيناً من الوقت، ثم تخلص منهم بطريقة «خيل الحكومة».. وفى الواقع أننى أرى نفسى امتداداً طبيعياً لأقلام ورؤساء تحرير كثيرين ناصروا النظام ظالماً أو قاهراً أو قامعاً.. وهو دور لا غنى عنه لأى نظام شمولى، فالحاكم الفرد يحتاج دائماً إلى من يغرس «فرديته» كل صباح فى نفوس المواطنين، حتى لو أحال قلمه إلى سكين.. وأنا قطعت على نفسى عهداً بأن أصل إلى ما أطمح إليه، مهما كان الثمن، ومهما احتاج النظام من سكاكين و«مطاوى» وسيوف! سيدى.. جمال مبارك.. أنا وأنت ننتمى إلى جيل واحد.. كلانا شق طريقه بأسلوبه، ومن مساحة طموحه الخاصة.. أنت وجدت الطريق مفروشاً بطابور على الجانبين من المهللين والمساعدين والمطبلين.. وأنا كان طريقى مفروشاً بالشقاء والتنازلات.. ولك أن تسأل عنى زملائى وأصدقائى المقربين فى الجامعة.. كنت طالباً فى كلية الإعلام جامعة القاهرة، دفعة 1987.. نفس دفعة خصمى الحالى إبراهيم عيسى.. اسأل عنى إبراهيم.. هو يعرفنى جيداً.. وأنا أعرفه جيداً..! كنا صديقين «ملتصقين»، عشنا فى شقة واحدة.. أكلنا من طبق واحد، واقتسمنا الرغيف «المدعوم»، بل واقتسمنا تأليف كتاب بعنوان «الأغنية البديلة».. ودخلنا «روزاليوسف» فى يوم واحد.. كنا نعمل سوياً، وننسق مع الجهات نفسها.. لم يكن كلانا اختار طريقه بعد.. وحين أصدر إبراهيم عيسى جريدة «الدستور» الأسبوعية الأولى كتبت أنا وهو ضد النظام والحكومة، ولكن الحياة اختيارات.. فقد واصل هو طريقه، وزاد عليه.. وسلكت أنا طريقاً آخر، وراهنت عليه.. وربما لا تعرف سيدى أن «روزاليوسف» كان بها صحفيون ينتظرون فقط أن تضعهم على «القبلة»، ثم تترك الباقى عليهم.. وأنا وضعونى على «قبلة».. ووضعوا «إبراهيم» على قبلة أخرى.. وصدقنى.. نحن أبناء «روزاليوسف»، نعرف بعضنا البعض جيداً.. فإذا تبدلت المواقع سيفعل «إبراهيم» ما أفعله، وسأفعل أكثر مما يفعله هو الآن.. هكذا هى «روزاليوسف».. رحم واحد.. ومدرسة واحدة.. لم ينج منها إلا من رحم ربى! .. سيدى.. جمال مبارك.. لا يصح أن يتم الاستغناء عنى الآن، فلايزال فى جعبتى الكثير.. فقد تعلمت سنوات وسنوات أن المرء يدفع كثيراً فى مرحلة ما من عمره، كى يحصد أكثر فى مرحلة أخرى.. فهل تتخلى عنى فى موسم «الحصاد».. ثم ما الذى يغضبك منى، وأنت تعرف أن المسألة كلها توجيهات فى توجيهات «إشتم فلان.. هاجم علان.. خد المعلومات دى عن ترتان».. ثم أنك تعرف أننى نزلت الشارع من أجل رضاكم بهدوم مقطعة وجاهز لأى خناقة.. وأنتم مغمضين عن حاجات كتير.. والسياسة مصالح.. وقطعاً أنت تعلم أننى أعلم وأعرف أكثر مما تتخيل.. فالجالسون فى ردهات وطرقات الحزب الوطنى يعرفون عن الجالسين فى الغرف المغلقة الكثير، وماذا تحسبنى فاعلاً حين أفقد صلاحيتى لديكم.. أترانى أعيد صداقة زمان، وأكتب إلى جوار «إبراهيم عيسى»، وبدلاً من كتابنا المشترك «الأغنية البديلة»، نصدر كتاباً بعنوان «الحزب البديل».. ألم أقل لك إنها مجرد خيارات.. وأن المواقع يمكن أن تتبدل فى أى وقت.. ألم أقل لك إننا تخرجنا فى «روزاليوسف».. وما أدراك ما «روزاليوسف».. وما أدراك من هم أبناؤها.. إلا من رحم ربى!!. رئيس تحرير «روزاليوسف» [email protected]