لا أستطيع أن أمنع نفسى من الإعجاب بنموذج الداعية عمرو خالد ولا بذكائه، فهو فى رأيى «السوبر ستار» و«الزعيم».. وأبوتريكة الدعاة الجدد.. لديه قدرة على تقديم الدين اللذيذ الظريف السلس الخالى من الأشواك وبخطاب دينى بسيط - ولا نقول «سطحى» وإن كان أقرب له - وبلغة غير مرهقة أو معقدة تلبى الاحتياج الفطرى عند الشباب فى التدين وبوسائل العصر الحديث من فضائيات وإنترنت. يدرك تماماً طبيعة بضاعته فى تقديم دين «تيك أواى»، يستلب العاطفة ويثيرالوجدان، لكنه لا يوقظ عقلاً أو يقدم منهجاً فى الفهم أو رؤية للعمل أو أسلوب حركة تستثير الوعى وليس الوجدان والعاطفة فقط، ولم يعرف عنه أنه صاحب خطاب فكرى وإصلاحى مثل السابقين من العلماء الراسخين فى العلم. ولم أعرف عنه، منذ متابعتى له، أنه ضليع فى الأمور الفقهية أو المسائل الشرعية أو النواحى العلمية والتاريخية، فهو يفضل دائما أن يبتعد كثيرا عن تلك الأشياء مثلما يفضل أن يبتعد عن السياسة وقضاياها، وهو ما جعله ربما يحتفظ بالحضور والجاذبية لدى الشريحة العليا من المجتمع والشريحة العليا المتوسطة. ولكنه مؤخرا، وفى برنامجه «قصص القرآن»- الجزء الثانى- تلبّسته هيئة الداعية المؤرخ الجازم بالأمور العارف بالحقيقة الكاملة، وتحديدا فى قصة نبى الله موسى مع فرعون مصر، التى ثارت حول إذاعتها زوبعة وجدل حول الدلالات التى قد تحملها فى طياتها من نقد على نظام الحكم فى مصر وإسقاطات على الواقع، والهلوسات التى روّجها مريدوه بالتشابه فى قصة خروج موسى وخروج خالد من مصر. ولكن عند إذاعتها جاءت مثل «الحمل الكاذب»، لم تحمل أى شىء سواء دلالات سياسية أو إسقاطات اجتماعية .. «ولا يحزنون» وإنما جاءت بمغالطات تاريخية وتشويه لتاريخ قائد وحاكم عظيم فى تاريخ مصر الفرعونى، وهو رمسيس الثانى. جزم عمرو خالد أن رمسيس الثانى هو فرعون الخروج، رغم أن الجزم فى الحقائق والأمور المختلف عليها، التى تتعدد حولها الآراء هو خطأ- كما كان يقول العلامة الشيخ محمد متولى الشعراوى- واعتمد فى تأكيدة وجزمه على أصحاب نظرية تؤكد وجهة نظره بهدف الإساءة إلى تاريخ وإنجازات وانتصارات قائد له مكانته لدى المصريين، وهو الأشهر بين كل الملوك الفراعنة بآثاره ومعابده الشاهدة على عصره. ما يدفع إلى الشك فى النوايا، حتى لو كانت حسنة، هو الإصرار على أن فرعون الخروج هو رمسيس الثانى، وهو نفس ما تردده جمعية صهيونية معروفة باسم المؤرخون الجدد فى إسرائيل، مهمتها تشويه كل قائد أو زعيم مصرى أو عربى أو إسلامى كان له دوره وإنجازه الفكرى والسياسى والعسكرى والاقتصادى. كنت أتمنى أن ينأى عمرو عن قصة الخروج الملتبسة والمختلف عليها، فالتواريخ متضاربة، والشك فى أن يكون رمسيس الثانى هو فرعون الخروج أثبته العديد من علماء المصريات، فقد ثبت بعد فحص المومياء أنه لم يمت غريقاً على عكس ما يذكره القرآن، ويظن العلماء أن «مرنبتاح» ابن رمسيس الثانى هو فرعون الخروج، كما أن التوراة والإنجيل يؤكدان على وجود فرعونين عاصرا فترة النبى موسى عليه السلام، أحدهما قام بتربيته والآخر هو من عُرف ب«فرعون الخروج» الذى طارد اليهود، ولم يكن رمسيس الثانى عقيماً كما ذكر القرآن، ولم يدّع الألوهية، بل كان يؤمن بأربعة آلهة وسمى فرق جيشه بأسمائهم. الدلائل كثيرة والإثباتات حاضرة فلماذا لم يذكرها عمرو خالد؟ هل هو الكسل العقلى أم لحاجة فى نفس عمرو قضاها؟