«عزيزى المشاهد» يستلقى على مقعد فى غرفة الجلوس أمام التليفزيون مصاباً بالإعياء والتخمة من قبل أن يبدأ شهر رمضان بأيام: فهو محاصر بالإعلانات المتكررة بإلحاح على كل القنوات تزف إليه أسماء ما يزيد على ثلاثين مسلسلاً هو موعود بمشاهدتها، وأسماء النجوم الذين نجحت فى اقتناصهم «حصرياً» على شاشاتها فى السهرات والبرامج. وحتى بالاستعانة بكل ملاحق الجرائد التى صدرت خصيصاً للإعلان عن المسلسلات يجد «المشاهد العزيز» نفسه فى حيرة حقيقية، كيف سيتصرف وماذا سيختار؟ مسلسلات قبل الإفطار ومسلسلات بعد الإفطار، فكيف سينظم جدول يومه الضيّق بين العمل والمواصلات والراحة والطعام والعبادات من جانب وبين القنوات المختلفة التى تتحلى بالزينات والأنوار لجذب الأنظار لشاشاتها من جانب آخر؟ يأتى رمضان ويذهب وتُرصّ الشاشات والموائد وينهمك الناس فى الالتهام وتكتب الصحافة وتنتقد. هذه العجلة الدائرة المكررة تدفعنا لنقف ونتساءل هذه المرة: أى شجاعة وقوة ووعى يحتاجها المشاهد ليدير ظهره لهذا المغناطيس الضخم الذى يشده إليه، ليرتب ليومه برنامجاً آخر أو يضع لوقته أولويات أخرى أكثر قرباً من احتياجاته الفعلية؟ أليس الهدف الرئيسى من مشاهدة مسلسل درامى جميل أو برنامج ذكى جذاب هو الترويح عن النفس؟ هذا بديهى، لكن هل يحتاج المواطن المصرى والعربى إلى كل هذا الكم الرهيب من المسلسلات والمنوعات؟ أم أنه بحاجة لموضوعات أخرى؟ ما هى؟ ومن يحددها ويضبط جرعاتها؟ إن تعاطى هذا الكم من المواد الترفيهية دون غيره يشبه أكل الحلويات فقط وبكميات هائلة دون باقى أصناف الغذاء التى يحتاجها الجسم: فأين البروتينيات والنشويات والخضار والفاكهة؟ أين شؤون المجتمع والأسرة والصحة؟ أين الأخبار والأفلام الوثائقية التى ترينا الدنيا الواسعة؟ أين برامج الأطفال والنشء؟ لا شك أن تلك الفورة غير المسبوقة فى الإنتاج والعرض للمسلسلات والبرامج الترفيهية هى هذا العام فى ذروتها، وما يزيد المنافسة اشتعالاً ويعلى من وتيرة الإنتاج التليفزيونى تسابق القنوات الحكومية والخاصة على كسب المزيد من الأرض على ساحة الإعلام المصرى فى ظل منافسة مفتوحة يسعى كل من فيها لاستعراض عضلاته باعثاً برسالة ضمنية للآخرين تقول: «أنا قوى وأمتلك القدرة على أن أمول أو أصنع أو أحصل على كل هذه المسلسلات والبرامج والنجوم، فإياكم والمساس بإمبراطوريتى، وإلا سيكون غضبى على الهواء»! الوجه الآخر للمنافسة المفتوحة أن الجميع يسعى للتأثير فى «مشاهدينا الكرام» وكسب ثقتهم وتصديقهم، وهى المهمة التى تزداد صعوبة فى عالم اليوم، وعلى المشاهدين إذاً أن يستفيدوا ويستثمروا ما يدور داخل الشاشة لصالح حياة أجمل وأفضل فى الواقع وليس أن يتركوا للشاشة أن تستثمرهم، وقبل ذلك أن يدركوا أن بيدهم طرف المعادلة المهم والحاسم أمام المائدة المقدمة لهم ألا وهو قرار «الأكل».