على الرغم من الضربات المتتالية التى تلقتها حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة» فى أفغانستان خلال السنوات الست الأولى منذ غزو البلاد فى 2001 بفقدان العديد من القيادات أو اعتقالهم نتيجة للحرب والقصف الأمريكى المتواصل لمعاقل الحركة، إلا أن هجمات «طالبان» بدأت تتغير من حيث طبيعتها ومداها وأماكنها، فلم تعد الحركة تكتفى بالدفاع وصد هجمات القوات الدولية والأفغانية، لكنها شرعت بخاصة فى العامين الأخيرين فى تسديد ضربات قوية للقوات الدولية وتكبيدها خسائر قياسية على الرغم من زيادة القوات الأمريكية. ومع انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية صعدت «طالبان» من هجماتها بقوة ضد قوات التحالف، حتى إن الكثير من القيادات العسكرية والسياسية الأمريكية والغربية حذرت من زيادة قدرة الحركة مؤكدة أنها باتت لها اليد العليا فى أفغانستان ويأتى تهديد الحركة باستهداف الناخبين يوم الاقتراع كرسالة دموية للأفغان تحذرهم من المشاركة فى العملية الانتخابية ويعكس سياستها فى رفض أى حكومة تحت سلطة ووصاية الاحتلال، بما يتماشى مع نهج الحركة ومن خلفها تنظيم القاعدة بالإصرار على رحيل القوات الأجنبية. فالعمليات التى خاضتها «طالبان» تؤكد اختلافها عن استراتيجيتها السابقة هى وتنظيم القاعدة التى اتسمت بالكر والفر وتعد مؤشرا على تدهور وضع القوات الأمريكية والحكومية وعودة «طالبان» إلى الساحة بخطة بدء تحرير الأرض والاحتفاظ بها، وخوض معاركها والبقاء فيها لفترة أطول ومهاجمة المطارات ومراكز قيادة القوات الدولية وقوات حلف الأطلنطى «ناتو» حيث واجهت القوات الأجنبية والجيش الأفغانى صيفا دمويا. ومع سعى الرئيس الأمريكى باراك أوباما لتغيير استراتيجيته فى مكافحة التطرف فى أفغانستان باعتبارها الجبهة الأولى فى الحرب على الإرهاب وسحب القوات الأمريكية من العراق، أجبرت الخسائر التى تتكبدها القوات الأمريكية أوباما على أن يطرح إمكانية الحوار مع المعتدلين من «طالبان» وهو نفس النهج الذى أكده الرئيس الأفغانى حامد كرزاى قائلا «إن الحوار مع طالبان هو السبيل الأفضل لإنهاء دوامة العنف الدموى فى أفغانستان»، بينما جاء إصرار الحركة المتمردة على رفض الحوار ما دامت قوات التحالف قابعة فى البلاد ليؤكد أن أفغانستان تتجه إلى مصير مجهول فى ظل كل المحاولات الرامية للقضاء على الإرهاب. وتأتى دعوات التحاور مع «طالبان» كخيار أخير هو الأسوأ لقوات التحالف ولصورة الولاياتالمتحدة، ولكنه يظل الخيار الواقعى المتبقى أمام إدارة أوباما الذى ركز جهوده فى أفغانستان باعتبارها الجبهة الأساسية فى الحرب على الإرهاب، وذلك من منطلق قناعته بأن العمليات العسكرية وحدها لن تحل النزاع فى أفغانستان وضرورة إدماج «طالبان» فى العملية السياسية ولكن آلية تحقيق هذا المطلب قد لا تكون سهلة أبدا فى ظل المكاسب التى حققتها «طالبان» وضرباتها القاسية لقوات التحالف الدولى. ومع مرور نحو 8 سنوات تقريبا على بدء الغزو الأمريكى، فإن «طالبان» تؤكد أنها لا تجهل التاريخ، فقد صرح الملا عبيدالله القائد فى الحركة مؤخرا بأنهم قادرون على القتال لمدة 30 عاما، قائلا: «بعد حوالى 8 سنوات من القتال المتواصل ضد القوات الأجنبية، أصبحت طالبان قوة عسكرية قوية، ولها القدرة على مقاتلة وهزيمة أقوى الجيوش». وبدأت أصوات المعارضة للحرب تتصاعد فى الغرب، حيث عبرت العديد من الصحف البريطانية والأمريكية عن رفضها لاستمرار التواجد العسكرى فى المستنقع الأفغانى الذى وصفته بأنه أطول حرب تخوضها الولاياتالمتحدة فى تاريخها لكن مما يصعب المهمة أمام القوات الدولية رغم زيادتها مؤخرا بنحو 30 ألف جندى أمريكى وانتشارها فى قرى ومدن الجنوب الأفغانى حيث معاقل «طالبان» أن بدأت تلك القوات تتكبد خسائر فادحة وهجمات شبه يومية. وفى إطار تدهور الوضع الأمنى فى أفغانستان قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لا يبدو بصيص من الأمل لإمكانية أن يقرر الشعب الأفغانى مصيره خشية التعرض للقتل فى مئات من مراكز الاقتراع المنتشرة فى المناطق الجبلية النائية والتى لا توجد فيها سيادة سوى لمسلحى «طالبان» و»القاعدة» فى ظل مخاوف من تزوير الانتخابات لصالح كرزاى الموالى للغرب.