من مسجد «ابن تيمية»، خرج إعلان إمارة غزة، على لسان قائد جماعة «جند أنصار الله»، قبل سويعات من مقتله، ليتحقق الجزء الثانى من تعهده «سنقيم هذه الإمارة، على جثثنا»، مخلفًا وراءه علامات استفهام حول ما إذا كان أتباعه المسلحون من القوة التى قد مكنتهم من تنفيذ الجزء الأول من تعهده، الذى جاء فى خطبة «انتحارية»، لم ينقصه فيها سوى حزام ناسف. عدة رسائل وجهها أبوالنور المقدسى، عن قصد أو دون، باختياره مسجد «ابن تيمية»، أولاها تحدى منتقديه، الذين يتهمونه وغيره من الجماعات المشابهة له أيديولوجيًا، ب «اختطاف ابن تيمية» من التيار السلفى. ثانيا تسبب فى إحراج المدافعين عنه وعن التيار السلفى، الذين ينفون أى صلة بينهم وبين التكفيريين، وذلك بإعلانه الإمارة، فى مشهد درامى وسط حراس ملثمين مدججين بالسلاح بعد أن استباحوا حرمة المسجد بمدافعهم الرشاشة وال «آر.بى.جى»، قبل ساعات قليلة من تطور محاولة الانقلاب الفاشلة إلى معارك ميدانية مع مسلحى «حماس»، الذين أعلن المقدسى تكفيرهم على الملأ بقوله: «نحن السلفيين، عندنا استعداد لأن نعمل خدما لهذه الحكومة (حكومة حماس).. حال تطبيقها شرع الله». تعاطى «حماس» مع إعلان الإمارة وسيطرتها على الوضع الأمنى فى أقل من 24 ساعة، كان بمثابة نجاح للحكومة فى اختبارها الميدانى الأول ضد النفوذ المتنامى للجماعات الجهادية السلفية فى قطاع غزة، وإن كشف عن فشل «حماس» الحركة فى بسط أيديولوجيتها على القطاع وتطويق المتشددين فيه منذ سيطرتها عليه فى يونيو 2007، وهو ما انعكس فى خروج سامى أبوزهرى، عن سقفه كمتحدث باسم الحركة، للتأكيد على أن «حماس» لن تسمح لأحد فى القطاع ب «أخذ القانون باليد»، خاصة أنه أقر بأن التصدى لذلك «مسؤولية الجهات الأمنية»، وهى العبارة التى تذكّر تلقائيا بانقلاب «حماس» نفسها على «فتح» قبل عامين، فى حين كان عليه الاكتفاء بما قاله تعليقا على ما يجرى بأن إعلان الإمارة «تعبير عن انزلاقات فكرية، لا علاقة لها بأى ارتباطات خارجية». بيد أن نفيه وجود أى ارتباطات خارجية فى حذ ذاته يستوجب وقفة، نظرا لتضارب التفسيرات والأبحاث التى تسعى إلى تحليل تنامى ظاهرة السلفيين فى غزة، بدءا من اعتبارها «صناعة صهيونية»، مرورا باعتبارها تهديدا للكيان الإسرائيلى نفسه، وصولا إلى نفى أى صلات لها بتنظيم «القاعدة». فتلك التعقيدات تنسحب على تعدد الجماعات «السلفية» التى تعلن عن نفسها بين الحين والآخر فى غزة، وعلى تباين أنشطتها بشكل حاد، من قيام جماعة مثل «جيش الإسلام» بأسر الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط، مما أضفى عليها بُعدا فدائيا، أو قيام جماعة أخرى باختطاف الصحفى البريطانى آلان جونستون، مما يحولها إلى تنظيم إجرامى، يضاف إلى ذلك استهداف مقاهى الإنترنت ومحال الكاسيت والجمعيات المسيحية، مما يقصر اهتمام تلك الجماعات السلفية على التغيير الداخلى من خلال فرض أيديولوجيتها الدينية والسياسية، دون أن تصدر عنها أى إشارات لعمل جهادى أو عسكرى ضد دولة الاحتلال.