(1) صباح الأربعاء الماضى طالعتنا «المصرى اليوم»، فى صفحتها الأولى، بخبر عن الشاب عبدالله أحمد بظاظو، الذى حاور رئيس وزراء مصر.. كان من الممكن أن يكون الخبر عاديا، بيد أن ما قاله الشاب تجاوز التعليقات الروتينية والنمطية والأسئلة المباشرة إلى الاحتجاج على الواقع والأسى لما وصل إليه حال المصرى فى بلده.. قد يرى البعض أن الشاب قد بالغ فى كلامه.. وقد يرى البعض الآخر أن هذه الكلمات أقل من الواقع بكثير.. بالطبع سوف يختلف رد الفعل بحسب موقع كل واحد منا.. بيد أن الثابت هو أن كلمات عبدالله قد حظيت من الشباب الذى شارك فى اللقاء بالتصفيق لمدة خمس دقائق متواصلة، وأنها هزت الوجدان والعقل.. فما الذى قاله الشاب عبدالله أحمد بظاظو؟ ■ «أشعر بالفساد فى كل مكان وبقيت أتنفسه ومش حاسس بمقاومة من جانب الحكومة.. كل يوم الصبح أحس بالغربة، وإن البلد مش بلدى.. ليه المواطن يشعر إن كرامته بره أو جوه مش موجودة، وهل بكيت سيادتك عند غرق العبّارة والجنود اللى بيموتوا على الحدود». وانتظرت أن يحظى هذا الموضوع بالاهتمام.. لقد حملت هذه الكلمات معانى ومفردات تحتاج منا إلى التأمل والتحليل وتستحق العناية الشديدة.. إنها كلمات شاب، ولكن عمره ولا ألف عام. يتنفس الفساد، ويعانى الغربة فى الوطن، ويشعر بالمهانة، قرر ألا يكون «أخرس»، لأن قلبه مليان كلام.. «واللى ما يتكلمش يا كتر همه». (2) كلمات عبدالله- على بساطتها ومباشرتها- قاسية ومؤلمة، تنم عن صدق داخلى ورغبة عارمة أن يعبر عما فى نفسه، ولِمَ لا والتعبير عن المكنون يعنى «حياة جديدة» للمرء.. ويبدو لى أن عبدالله أحمد قد أخذ بنصيحة الفيلسوف الفنان العظيم صلاح جاهين القائلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك قول شكوتك واحكى على بلوتك الغنوة مش ح تموتك إنما كتم الغنا هو اللى ح يموتك» كلمات عبدالله الموجهة للسلطة التنفيذية فى مصر هى مزيج من الاحتجاج والشكوى، التى تذكرنا بشكاوى الفلاح الفصيح التسع (2000- 1775ق م).. بيد أن الفرق بين شكاوى الفلاح الفصيح التاريخية وشكاوى الحاضر للشاب الفصيح.. هو أن الفلاح بدأ هادئا متفائلا ثم ازدادت شكوكه ومخاوفه واشتد هجومه على الظلم والظالمين بعد ذلك (بحسب أحد المؤرخين).. بينما كلمات الشاب الفصيح التى نطق بها تعكس- من الوهلة الأولى- هماً وحزناً وإحباطاً كيانياً، ومقاومة من الحكومة.. وهو ما أتصور أنه يستحق أن نعرف كيف نعمل جميعا على علاجه. (3) إن كلمات الشاب الفصيح تدعونا إلى أن ننتبه- قليلاً- لشباب/ شابات اليوم، خاصة إذا ما علمنا أن 80% من سكان مصر عمرهم أقل من 40 سنة أى ما يقرب من 65 مليون نسمة (نصفهم يقع فى الفترة العمرية من سن صفر إلى 15 سنة والنصف الآخر بين 15 و40 سنة).. وأقصد بالانتباه أننا أمام «كتلة شبابية ضخمة طالعة» (إذا استعرنا عنوان مسرحية المبدع نعمان عاشور «الجيل الطالع») تحتاج منا إلى: ■ إدراك أن مخاطبتهم لابد أن تختلف جذريا. ■ وأنهم يسعون للتمايز عن الأجيال السابقة وفك الارتباط بالمرجعيات التقليدية، وتوقع تغير طرق تعبيرهم وبخاصة فى مواجهة السلطة.. قد تكون هناك إيجابيات ولكن احتجاج الشباب على السلبيات سيكون حاضرا وبقوة وله الأولوية. ■ وأن هناك الكثير المطلوب إعداده لمستقبل هؤلاء الشبان من حيث التعليم والعمل والسكن والزواج.. إلخ.. وهو ما يحتاج أن يراه الشباب متحققا وفق آليات واضحة وعملية. ■ ولعل أخطر ما يعكسه الشاب الفصيح هو المرارة التى تكلم بها، وأظنها لدى الكثير من الشباب، ما يتطلب الجدية من الجميع لمواجهتها بالمزيد من دمج الشباب فى نشاطات وأعمال متنوعة. أتصور أن الردود التى طرحت- فى حدود ما نشر- لم تحقق الفائدة منها.. والمفارقة أن ما قيل فى اللقاء، عن تصدير البطاطس إلى أوروبا، وجدنا الصحف تطالعنا بعده بيومين بأن أوروبا قد أوقفت استيرادها للبطاطس لوجود مرض البقعة البنية.. وعن آلاف الأفدنة الزراعية فإننا نجد أن الهيئة المصرية القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء (جهة حكومية) تقول- فيما يشبه التحذير- باحتمال اختفاء الأراضى الزراعية فى مصر بعد 60 سنة إذا ما استمر التوسع العمرانى العشوائى بمعدلاته الحالية المرتفعة. كلمات الشاب الفصيح جرس إنذار على أكثر من مستوى.