وإذا كانت محاولات المشرع المصرى صنع كوتة تسمح للمرأة بالتواجد فى البرلمان حسبما أسلفنا فى مقالنا السابق بالتشريع 21 لسنة 79 بضرورة وجود ثلاثين مقعداً على الأقل للنساء، إلا أن أداء المرأة على ما يبدو لم يقنع الناخب المصرى أو لم يستوعبه على الأقل. وكانت الانتكاسة فى جهود المشرع المصرى عام 1986، إذ قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون رقم 21 لسنة 1979، لما ينطوى عليه من تمييز على أساس النوع، وقد انعكس إلغاء هذا القانون بصورة سلبية على المشاركة النسائية فى انتخابات 1987، حيث انخفضت النسبة إلى 3.9٪ ممثلة فى ثمانى عشرة عضوة منهن أربع عشرة منتخبة وأربع معينات. وكان النظام الانتخابى المعمول به آنذاك مبنياً على القوائم الحزبية، وقد خلت قوائم معظم الأحزاب من العناصر النسائية فيما عدا الحزب الحاكم وحزب التجمع، وفى انتخابات 1990 التى استندت إلى النظام الفردى تم انتخاب سبع عضوات كما تم تعيين ثلاث، وبذلك استمر تمثيل المرأة فى مجلس الشعب فى الانخفاض حتى وصلت النسبة 2.2٪. وهنا يثار السؤال الكبير «هل العبرة بعدد النساء فى مجلس الشعب، أم بمدى فعاليتهن فيه؟ فبالنسبة لأداء المرأة البرلمانى فإن سجل مشاركة المرأة سواء فى مجال اقتراح القوانين أو طلبات الإحاطة يتميز بقدر من التوازن، إلا أن مناقشة المرأة لمشروعات القوانين اتسمت بالضعف الملحوظ، ولا تستثنى من ذلك مشروعات القوانين التى تهم المرأة كقوانين العمل والجنسية والأحوال الشخصية، كما يلاحظ أن الأداء التشريعى والرقابى للمرأة داخل البرلمان كان يتناسب طردياً مع درجة انفتاح النظام السياسى القائم على التعددية الشكلية وثقافة الحزب الواحد «سلوى شعراوى جمعة: المشاركة السياسية للمرأة المصرية بين الفاعلية والسلبية - هيئة الكتاب 1996». هذا وقد اقتصر النشاط الرقابى للمرأة المصرية داخل البرلمان على وسيلتين تقليديتين هما طلب الإحاطة والسؤال، ولم تتقدم امرأة واحدة على مدار تاريخها البرلمانى باستجواب عن الموضوعات الرقابية ذات الطابع الاجتماعى مع الأخذ فى الاعتبار أن المرأة تولت رئاسة اللجنة الدستورية والتشريعية فى مجلس الشعب وتتولاها الآن الدكتورة آمال عثمان، وقد سبق للمرأة رئاسة لجان الثقافة والإعلام والسياحة والعلاقات الخارجية، إذن ما المعنى الكامن وراء رحلة الصعود والهبوط والإنجازات التى حققتها، والإخفاقات التى منيت بها المرأة المصرية فى مجال المشاركة السياسية؟ وتستوقفنا أسباب ارتفاع نسبة المشاركة السياسية للمرأة وبلغت الذروة فى انتخابات 1979/1984. ولماذا هبطت بعد ذلك حتى وصلت إلى انتخاب أربع مرشحات فقط فى عام 2005؟ وما مغزى مردود ذلك فى مجال المشاركة السياسية بهذا القدر من الضآلة والانحسار؟ وما جدوى أن تتمتع المرأة المصرية دستورياً بجميع حقوقها السياسية غير المشروطة مما يميزها عن غيرها من نساء كثير من الدول بما فى ذلك بعض الدول المتقدمة؟ وما الأسباب الحقيقية التى تكمن خلف عدم ممارسة المرأة المصرية لحقوقها السياسية؟ وما المبررات الموضوعية لعزوف الأحزاب عن ترشيح أعداد كافية من النساء فى الانتخابات العامة؟ لا شك أن الزيادة الكمية الملحوظة فى عدد النساء المتعلمات لا تعد فى حد ذاتها دليلاً على التغيير الجوهرى فى الوضع الاجتماعى للمرأة أو قرينة على تحررها الحقيقى من جميع العوائق المتوارثة والمستجدة التى صنعت بعضها بأيديها «فما زالت المرأة المصرية تواجه كثيراً من العقبات التى تحول دون انطلاقها بكامل قدراتها ومواهبها للمشاركة فى صياغة صورة المجتمع وعلاقاته، وعندما نحاول أن نتأمل نتائج الدراسات التى أجريت عن الأوضاع المجتمعية للمرأة المصرية فى مجالات التعليم والعمل والمشاركة السياسية والثقافية سوف يدهشنا تعدد وتنوع المفارقات وأشكال التناقض التى تثير العديد من الإشكاليات. ومهما اختلفت الآراء حول أسباب عزوف المرأة عن المشاركة فى العمل السياسى فإن هناك إجماعاً حول سبب محورى يكمن وراء عزوف النساء والرجال معاً عن العمل السياسى يتمثل فى المناخ السياسى العام الذى لا يشجع على المشاركة الفعلية سواء بالنسبة للرجل أو المرأة، إن فشل النظام الحزبى، فضلاً عن غياب الممارسات الديمقراطية داخل هذه الأحزاب واستمرار وتفشى ثقافة الحزب الواحد لدى صناع القرار. لا شك أن كل هذه الأسباب مجتمعة، أدت إلى فقدان الثقة فى جدوى المشاركة السياسية لدى النساء والرجال إضافة إلى أن جميع الأحزاب التى نشأت منذ عام 1976، سعت إلى إرضاء الناخبين الذين تشبعوا على مدى قرون طويلة بالموروثات الثقافية التى تكرس فكرة النقص الأنثوى ودونية المرأة، وبالتالى عزفت هذه الأحزاب عن ترشيح المرأة فى الانتخابات وتناست ما اشتملت عليه برامجها.