يعتبر التعاون الإقليمى الحقيقى والناجز هو المدخل الحقيقى للتقدم والنهضة العربية. وقد اوضح لنا استاذنا على الدين هلال والاستاذ الكبير جميل مطر فى دراستهما عن النظام الاقليمى العربى أن هناك تقدما واسع النطاق، ربما غير ملحوظ، فى التكامل العربى فى القطاعات الفنية غير السياسية. فالعالم العربى ممتلئ بأنشطة متعددة من تكاملات محورها الاتحادات العربية فى المجالات المختلفة من هندسية ورياضية وغيرها، وقد أسس الاستاذان فى كتابهما التاريخى نموذجا ومعايير لمؤسسية العمل العربى المشترك فى إطار جامعة الدول العربية والمؤسسات العربية الرسمية وغير الرسمية. ولكن هذا الجهد العربى قد تأثر بشكل كبير بالمتغيرات السياسية الحادة فى المحيط العربى، فأخذ العرب يميلون للانقسام والتفتت، ولعبت إذاعات ودول عربية دورا نشطا فى الترويج لهذا المنحى. حتى ظهر جيل جديد من الممارسين العرب فى مختلف الاقطار العربية غايتهم أمران: اولا، الفصل النسبى بين النشاط الفنى للتعاون المشترك، من ناحية، والقضايا والاعتبارات السياسية، من ناحية اخرى، اى تقديم ما هو عملى ومشترك على ما هو سياسى وخلافى. ثانيا، التركيز على ما يجمع العالم العربى، دوله وشعوبه ومجتمعاته، من مخاطر بنائية اى غير أيديولوجية موجهة للوجود العربى كأفراد وجماعات ودول تصبو نحو المدنية والاندماج فى العالم بشكل سلمى وثقافى مستنير. واحد من المتقدمين فى هذا الجيل فى مصر الاستاذ عبدالرحيم على ومركزه الخاص بدراسات الحركات الاسلامية. فنحن نعلم أن الحركات الاسلامية العنيفة او المستغرقة فى الانغلاق السلفى هى العائق الاساسى للاندماج العربى والدولى الفعال. من هنا تنبع أهمية هذا المركز الذى يضم العديد من قواعد البيانات على التنظيمات المتطرفة والعنيفة إسلاميا. هذا فضلا عن ان المركز ينحو نحو هيكلة نفسه كمحرك للبحث المعلوماتى واستخلاص اتجاهات الحركات الاسلامية المستقبلية لها. لمركز ما يتلقاه من مساعدات عربية، فى الاساس مصرية وخليجية، يمثل نموذجا للعمل العربى المشارك فى سياق تنمية العمل المدنى العربى المشترك. فالمركز يقوم عليه باحث أخلص لدراسة الحركات الاسلامية بأشكالها المختلفة، وقام بالبحث المعلوماتى عنها فى معظم الدول العربية. كما ان المركز فى نهاية الامر يهدف الى إنتاج وتنمية الدراسات العربية فى مجال الحركات الاسلامية القائمة على المعلومات فى المقام الاول، ويقصد بالمعلومات الاتجاه نحو تخليق مادة علمية محققة للظاهرة محل البحث بحيث يمكن لصانع القرار فى نهاية الامر ان يكون مطمئنا عند اتخاذ قراره بصدق المعلومة، وليس فقط بصحتها. هذا لان المعلومة قد تكون سليمة فنيا، ولكن غير ذات دلالة موضوعيا. هذا المركز يقوم باستيفاء المعيارين على وجه كامل. وهذا تطلب من عبدالرحيم على البحث فى المصادر الاصلية بمختلف اشكالها الورقية أو الإلكترونية او غيرها. إن المركز العربى لدراسات الحركات الاسلامية قام على امره اولا وثانيا وثالثا جماعة مخلصة لم تسع الا لبحث الظواهر العربية المختلفة بصدق وتجرد. انكشف الغطاء عن المركز فبان عملاقا واعدا بل ينتظر منه الكثير. هذا المركز يفتح الباب امام العمل العربى المدنى لتنشيط البحث العلمى فى المجالات المختلفة. فقضايا البيئة والقضايا الاجتماعية والقضايا الاقتصادية كلها ينتظر أن يتمحور حولها العديد من الباحثين وخصوصا أن الزمن الان هو زمن الامتحان العظيم للانسان العربى ثقافيا ووجوديا. فهل تصلح مثل هذه المراكز رؤوس حربة للتقدم العربى؟ أعتقد أنها تصلح لهذه المهمة طالما توافر الاحساس بالخطر من تزايد غموض المستقبل العربى.