أرسل أحد القراء مطلع أغنية أم كلثوم الشهيرة: «حب إيه اللى انت جاى تقول عليه»، وكان يرد على ما قلته الأسبوع الماضى من أن حب الإنسان الحقيقى لربنا يجعل سلوكه فى الأرض منضبطًا وزى الفل، لأنه فى كل تصرفاته يسعى لإرضاء حبيبه الذى خلقه، واعترض آخر على تلك المقارنة السخيفة من وجهة نظره التى عقدتها بين واحد يحب الله والثانى يحب مراته! قائلاً إن ما كتبته لا محل له من الإعراب! وعيب! حتى ولو كان قصدى نبيلاً لأن حب خالق السماوات والأرض لا يضاهيه أى شىء آخر فى الدنيا! وأبدأ فى الرد على صاحبنا الثانى هذا قائلاً: إن الحب يجعلك مختلفًا عن الآخرين، سواء فى التدين أو فى العلاقات الزوجية ويا سلام على إنسان مؤمن لكنه غير تقليدى لأنه يحب الله بحق وحقيقى، وليس متدينًا عاديًا أو واحدًا يؤمن بالله فحسب، وفى القرآن الكريم تجد البشر ينقسمون إلى أقسام ثلاثة.. «ظالم لنفسه» لأنه بعيد عن تعاليم السماء، و«مقتصد» أى يؤدى واجباته فحسب، وثالث سابق بالخيرات لأن حب ربنا فى قلبه وعقله وكل كيانه.. وتلك القمة أراها أيضًا تنطبق على الحياة الزوجية.. خائن لشريكة عمره ومهمل لبيته فهو «ظالم لنفسه»، ولمن حوله أيضًا، و«مقتصد» أى تستطيع أن تقول عنه إنه زوج تقليدى طيب وابن حلال! لكن هناك فارقاً بالطبع بينه وبين السابق بالخيرات العاشق لزوجته وأولاده، ويحتل منزله مكانة كبرى فى حياته، وينعكس ذلك على كل سلوكياته الكبير منها والصغير، فهو يفضل مثلاً الجلوس فى بيته وسط عائلته بدلاً من السهر مع أصدقائه، بينما شريكة عمره وحيدة فى بيتها! وأنتقل إلى الحديث مع القارئ الذى بعث لى بمطلع أغنية أم كلثوم الشهيرة، ووجهة نظره معقولة وحجته قوية، فهو يقول بمنتهى البساطة أن الحب سلاح ذو حدين، فإذا كان المتدين يحب ربنا جدًا فإنه سيتحول فى هذه الحالة إلى إنسان متعصب يكره كل من ينتمى إلى غير دينه، بل وحتى من ينتمى إلى ملته، لكنه على غير هواه! وبلادنا تشكو من ظاهرة التعصب التى لا تخطئها عين وتراها على الجانبين «مسلم ومسيحى»! وكل واحد من هؤلاء عاشق لربنا! وهكذا تحول الحب إلى بلاء! وبدلاً من أن يسعد الناس أشقاهم! وغلطة هذا القارئ الأساسية أنه اعتمد على تلك الحكمة الرائعة التى تقول: «من الحب ما قتل»! فقد تصور أن ما أدعو إليه هو الحب المريض الذى يؤدى إلى نتائج عكسية تتمثل فى التعصب والكراهية! وإلى جانب المتعصبين فى مصر تجد متدينين زى الفل، لكن هؤلاء لا صوت لهم لأن أوضاع بلادى غاية فى السوء وأنت شاهد على ذلك وأنا كمان! وأختم بمفاجأة أقدمها لحضرتك فإن الحكمة الرائعة التى تقول «من الحب ما قتل» والتى تؤدى إلى التعصب الدينى تراها بوضوح أكثر فى العشق والغرام! فالحب الجنونى يؤدى إلى الغيرة وهكذا تتحول تلك العاطفة النبيلة لتصبح نقمة، بعدما كانت نعمة ومن فضلك لاحظ التقارب الكبير بين الكلمتين! وهناك حكمة أخرى تقول «الحب أعمى»، وهى ظاهرة نراها فى حياتنا خاصة بين العرسان الجدد! وإن شاء الله سأتحدث عنها فى المقال القادم.