أعتز بصعيديتى، ومع ذلك أعتبر نفسى إسماعيلىّ الهوى! فى نهاية الثمانينيات عشت عاما كاملا فى الإسماعيلية، لاتزال ذكرياته الطيبة محفورة فى القلب والذاكرة! عشقت هذه المدينة التى كسرت لدىّ – أنا ابن المدينة الصغيرة فى سوهاج - هيبة المدن الكبيرة، فهيأتنى لأعيش سنوات طويلة فى زحام موسكو، ولأتعايش حاليا مع فوضى القاهرة! أتابع أخبارالإسماعيلية على أمل أن تحملنى إليها مهمة صحفية، لأفوز بجولة فى حدائقها وشوارعها، وألتقى أصدقاء باعدت بيننا مشاغل الحياة! من هنا – ودون مبالغة – شعرت بالضيق عندما تخيلتنى واحدا من سكان شارع المدارس بالإسماعيلية، الذى سيحمل من الآن فصاعدا اسم اللاعب محمد حمص.. بصراحة لا أعرف حمص شخصيا، ولم أشاهد له أى مبارات قبل تلك التى سجل فيها هدف الفوز على إيطاليا فى كأس القارات.. نعم، تمنيت ليلتها، كحال الملايين فى مصر، أن أشد على يده بامتنان.. وأشكره على مقدار الفرح الذى ملأ نفوسنا.. لكن ذلك لم يفلح ليتقبل عقلى قرار المجلس الشعبى لمدينة الإسماعيلية بإطلاق اسم حمص على الشارع الذى يقطن فيه.. رأيت فى هذا القرار مثالا حيا على تطرف المشاعر، الذى يجعلنا نعبر عن الحب فى أحيان كثيرة بشكل مبالغ فيه، وكذلك الحال عندما نعكس مشاعرنا وقت الغضب! تذكروا مانشيتات الصحف بعد مباراتى البرازيل وإيطاليا، وراجعوا المانشيتات فى الصحف نفسها بعد مباراة الولاياتالمتحدة.. فى الحالة الأولى صعدنا باللاعبين إلى عنان السماء، وفى الحالة الثانية خسفنا بهم إلى سابع أرض!.. بعد عودة المنتخب الوطنى من جنوب أفريقيا عشنا حيرة كبيرة: هل نكرم أفراده على الأداء الجيد أمام البرازيل وإيطاليا، أم نعاقبهم جراء الهزيمة الثقيلة أمام أمريكا؟.. الأمر كان سهلا بالنسبة للمسؤولين فى الإسماعيلية، الذين اختاروا تكريم ابن مدينتهم حمص على طريقتهم الخاصة! لم يجد هؤلاء من يهمس فى آذانهم ليقول إن إطلاق اسم لاعب على شارع لتسجيله هدفا فى مباراة مهمة، يعد تجاوزا لحدود المعقول! صدقونى.. ليس المقصود هنا نجمنا حمص، الذى أحترم كفاحه ومثابرته، بقدر ما هو رغبة فى الدعوة إلى وضع ضوابط للتكريم الرسمى. أليس من حق دمياط وفق هذا المنطق الإسماعيلى أن تحتفى بابنها عصام الحضرى بالطريقة نفسها؟!.. لقد تفوق الحضرى على نفسه فى مباراة إيطاليا، وأنقذ مرماه من أهداف محققة، ونتيجة لذلك خرجنا فائزين بهدف حمص.. فهل سيعترض أحد لو قرر المجلس المحلى لمدينة دمياط إطلاق اسم الحضرى على شارع أو ميدان أو مدرسة؟!.. ما كنت سأعترض لو أهدى المسؤولون فى الإسماعيلية الكابتن حمص سيارة فارهة أو شقة واسعة أو مبلغا ماليا محترما!.. لكن تكريمه بهذه الطريقة يجعلنى مرغما على التساؤل: كم شارعا يحمل اسم شهيد من شهداء المدينة الباسلة الذين قدموا أرواحهم دفاعا عنها؟!.. طيب، إذا كُتبَ لنا الصعود بإذن الله إلى نهائيات كأس العالم، هل سيعترض أحد لو طالب بعض أبناء محافظة البحيرة بتغيير اسمها إلى (محافظة حسن شحاته) باعتبارها مسقط رأس مدرب المنتخب الوطنى؟! طبعا سيكون الوضع أكثر صعوبة إذا فزنا بكأس العالم! [email protected]