فى مدخل قرية «المسلمية» فى محافظة الشرقية وتحديدًا أسفل كوبرى القرية، يقف شعبان عطية إبراهيم منذ طلوع الشمس وحتى غروبها أمام عربة خشبية صممها خصيصا بعصارة يدوية يستخدمها فى عصر القصب وهى مصدر دخله الوحيد الذى ينفق منه على زوجته وابنه وأحفاده، بعد أن ضاقت عليه الدنيا وباع أرضه لأن الزراعة من وجهة نظره.. «مابقتشى جايبه همها». عمره الذى تجاوز الستين وجسده النحيف قد لا يتناسبان مع الماكينة اليدوية التى يقف أمامها لكنه يحاول بذل قصارى جهده ليحافظ على مصدر دخله حتى لو اضطره ذلك إلى السير يوميا 2 كيلو متر على قدميه -من قريته وحتى الكوبرى الذى يقف أسفله- جارا عربته خلفه، لأن زبائنه اعتادوا الذهاب إليه فى هذا المكان، الغريب أن زوجته المسنة أيضا ترافقه فى هذه الرحلة الطويلة ذهابا وإيابا وتقف أيضا إلى جواره على العربة لتساعده. أسفل شجرة معمرة عند الكوبرى يقف عم شعبان من السابعة صباحا وحتى الخامسة مساء، لا يفعل شيئا غير العمل، يفك أحزمة القصب الملفوفة ويدخلها بين تروس العصارة وبيديه المتشققتين من كثرة العمل يضغط عليها بشدة لتعصر وتخرج بقاياها من الجانب الآخر، ولأنه لم يعد بكامل صحته يضطر عم شعبان إلى الضغط مرات ومرات حتى يعصر عود القصب الواحد لأنه يأخذ منه مجهودا كبيرا، يقتضى أن يرتاح ولو قليلا. كان عم شعبان مزارعا يمتلك قطعة أرض مساحتها 15 قيراطاً ولكن ظروفه المادية الصعبة اضطرته إلى بيعها: «كنت فلاح بزرع أرضى وآكل من خيرها لحد ما بعتها من سنتين واضطريت اشتغل فى القصب.. آهى مهنة نآكل منها عيش». أما فكرة الماكينة فجاءت فى ذهن عم شعبان بعد رؤيته لماكينة مثلها فى قرية مجاورة، بعدها ذهب إلى «خراط» وطلب منه صناعتها، ثم جمع بعض الأخشاب وصنع منها عربة يضع عليها العصارة ويدفعها بنفسه. يشترى عم شعبان ربط القصب من «كفر الحمام» الذى يبعد عنه مسافة بسيطة لكنه لا يعرف سعرا محددا للقصب: «كل يوم القصب بسعر، علشان كده بجيب ربط كتيرة وأخزنها عندى فى البيت ثم أقسم كل عود نصفين كى أتمكن من عصره، وببيع كباية العصير بسعرين 25 و50 قرشا، لكن الكباية عندى بمقام 3 عند محلات العصير.. الحمد لله ربنا بيغنينا بالحلال، المهم الناس تكون مبسوطة وترجع تشرب من عندنا تانى. السائقون والمارون فى المنطقة هم زبائن عم شعبان.. يأتون إليه ليرتووا بعصيره من حرارة الشمس وهم يحبونه لدرجة أنهم يساعدونه فى لف البدال بدلا منه حتى يتمكن من عصر القصب، ورغم أن عم شعبان لديه ابن وحيد يدعى أيمن فإنه لم يساعده فى عمله لأن عم شعبان كان حريصا على أن يستكمل ابنه تعليمه ويعين فى وظيفة حكومية وبالفعل هذا ما حدث، حيث حصل أيمن على دبلوم تجارة وتم تعيينه فى شركة حكومية لكنه يتقاضى فى الشهر 220 جنيها فقط، لذلك اضطر إلى أن يقيم فى منزل والده، والثلاثة أبناء الذين أنجبهم انضموا إلى قائمة مسؤوليات عم شعبان، حيث يحلم بتعليمهم مثل والدهم.