أثار خبر قرأته عن زواج توأمين متطابقين من الذكورمن توأمين متطابقين من الإناث فضولى لكى أكتب عن التوائم، ومدى تأثير الجينات فى مقابل النشأة والتربية عليهم وعلى سلوكياتهم، فمما لا شك فيه أن التفاعل بين الجينات الخاصة ببعض السلوكيات فى حالة وجودها، والعوامل البيئية، أمر فى غاية الأهمية من أجل ظهور بعض الأعراض والسلوكيات غير السوية مثل الفصام، والاكتئاب، والعدوانية، والإجرام إلخ، تماماً مثلما يحدث فى حالة تواجد البنزين والنار، حيث لا يمكن أن يحدث الحريق إلا فى وجود الاثنين، ومن خلال تفاعلهما معاً، وإذا تواجد أحدهما دون وجود الآخر فلا يمكن أن يسبب وجوده أى خطر أو أى حريق، وهناك الكثير من الدراسات التى وجدت ارتباطاً معينا بين الجينات وبعض السلوكيات العدوانية التى تؤدى إلى العنف والإجرام، فقد أظهرت إحدى هذه الدراسات من خلال دراسة 500 زوج من التوائم أن الجينات الوراثية والعامل الوراثى، له دخل أساسى بمشاكل التركيز والانتباه فى نسبة تتراوح ما بين (70 و88%)، والعدوانية (70 و77 %)، التوتر والاكتئاب (61 و65 %) فى كل من الجنسين، إلا أن هناك دراسات أخرى كثيرة قللت من نسبة تأثير هذا العامل فى حالة غياب الظروف البيئية الملائمة لظهوره. ولعل الدراسات على التوائم المتطابقة التى تملك البصمة الوراثية والجينية نفسها، تعطى فرصة جيدة لاكتشاف تأثير البيئة عندما نقارن بين التوأمين اللذين ينشأ كل منهما فى البيئة نفسها، أو فى بيئة مختلفة، وذلك فى مقابل الدراسات التى تجرى على الأطفال المتبنين، الذين لا يملكون أى جينات مشتركة مع الأشخاص الذين يتبنونهم، ويعيشون معهم فى البيئة نفسها، ولقد أثبتت الدراسات على التوائم المتطابقة فى ما يختص بالميول الوظيفية، والإصابة بالأمراض أن: 1- الإحساس بالسعادة والرضا عن العمل والوظيفة التى يقوم بها الإنسان تتدخل فيها الجينات بنسبة 50 %. 2- الإحساس بالاستقرار والهدوء النفسى فى العمل يمثل العامل الجينى فيه 80 %، فقد يكون كل من التوأمين يعمل فى وظيفة أو مجال مختلف، فإنهما يملكان القدر نفسه إما من الاستقرار فى الوظيفة،أو فى تكرار الانتقال وعدم الاستقرار من وظيفة إلى أخرى. 3- عامل الوراثة له دخل فى إنجاب التوائم غير المتطابقة، حيث ثبت أن هناك جينات لها علاقة بهرمونات التبويض، وتنتقل فى العائلة نفسها، والعجيب أنها تنتقل من الرجال أيضا إلى بناتهم من الإناث، أى أنهن يكن حاملات لها، ولعل النسب توضح تأثير هذا العامل على حدوث حالات التوائم غير المتطابقة، فإذا كانت الأم قد أنجبت توأمين غير متطابقين، فإن فرصة الابنة لولادة توأمين تزيد بنسبة 2.5 مرة على غيرها من البنات العاديات، وإذا كانت هناك أخت أنجبت توأمين غير متطابقين، فإن احتمالات شقيقتها لإنجاب توأمين غير متطابقين تزيد 1.7 مرة على مثيلتها من البنات العاديات. 4-الجينات الخاصة بالسلوكيات مثل جينات العنف، والجريمة، والشذوذ، وغيرها، لابد أن تتوفر لها الظروف البيئية التى تحفز هذه الجينات، وتحولها إلى جينات عاملة، لذا لو أتينا بتوأمين متطابقين يحملان البصمة الجينية نفسها، وأنشأنا أحدهما فى بيئة إجرامية، والآخر فى بيئة صالحة، فإن أحدهما سوف يصبح مجرما، والآخر سوف ينشأ صالحا، على الرغم من أنهما يحملان الجينات الوراثية نفسها. 5-فى حالة إصابة أحد التوأمين المتطابقين بمرض السكر من النوع الثانى، الذى يصيب الإنسان عندما يتقدم به العمر، فإن فرصة إصابة التوأم الآخر بالمرض نفسه تكون كبيرة جداً، على عكس السكر من النوع الأول المعتمد على الأنسولين، الذى يصيب الأطفال والشباب فى السن الصغيرة، وأيضا فى حالات الإصابة بحساسية الصدر أو الربو الشعبى، فإن احتمالية حدوث المرض فى حالة التوأم المتطابق الذى أصيب توأمه تصل إلى 59%، أما فى حالة التوأم غير المتطابق فتصل هذه النسبة إلى 24 %، وكذلك الحال فى كثير من الأمراض الأخرى مثل الإصابة بأمراض القلب، والشرايين التاجية، وارتفاع نسبة الكوليسترول، والإصابة بالأورام السرطانية. 6- كثيرا ما نجد فى التوائم اختلافات فى الشخصية والطباع، أكثر من مساحات الاتفاقات بينهما، لأن كلا منهما يريد أن يكون نفسه، لا أن يكون صورة من توأمه، مثلما ينظر إليهما الوالدان والناس، ومثلما يعاملونهما منذ صغرهما فى كل شىء. [email protected]