عمليات القمع الدموية التى تعرض لها آلاف المتظاهرين فى طهران على يد النظام الإيرانى، كشفت عن حالة غضب عارمة ضد إعادة انتخاب محمود أحمدى نجاد إلا أن مشكلة تلك المظاهرات أنها افتقرت لتنظيم قوى يقف وراءها، مما جعل مستقبل هذه الحركة المعارضة والصعوبات التى سيواجهها هؤلاء النشطاء الإصلاحيون، وكذلك التطورات المحتملة وإمكانية استمرارها، أمراً يصعب التنبؤ به، وفقاً لتقرير أعدته صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية بالاستعانة بآراء خبراء مختصين فى الشأن الإيرانى. وبحسب أزادييه خان، الباحث فى المركز الوطنى للبحوث بفرنسا، فإن إيران الدولة التى تتمتع بشبكة واسعة من مؤسسات العمل المدنى تضم 28 ألف جمعية أهلية، وعدداً من الأحزاب الإصلاحية، إلا أنه على أرض الواقع، نجد أن هذه المنظمات لا تتمتع بالقوة الكافية لإرساء وتنظيم احتجاج دائم ومستمر، حتى إن النقابات، انصرف اهتمامها إلى النواحى الاقتصادية. وتابع خان أن التحرك الحالى يتم من خلال دوائر معروفة للأصدقاء، وشبكات تضامنية مكونة من5 إلى 10 أفراد على الأقصى، وهذه النوادى غير الرسمية تنجح فى تعبئة حشود كبيرة لغرض الاحتجاج أو التظاهر إلا أنها لا تعوض عمل النقابات والمؤسسات. وفيما يتعلق ب«مير حسين موسوى» فقد رأى خان أنه أشبه ب«قطة المنزل التى تحولت إلى نمر» فموسوى، رئيس الوزراء السابق ل«الخمينى» بين عامى 1981 و1989، لعب على ما يتمتع به من كاريزمية وسعى لتصوير نفسه على أنه رجل الأزمة. فيما رأى برنارد هوركارد، باحث آخر بالمركز، أن موسوى يمثل حركة أكبر منه، ويفتقر إلى شبكة اتصالات قوية، وعلاوة على ذلك فإن الاعتقالات الجماعية للقادة المعارضين منذ 10 أيام زادت من تعقيد مهمته. فإيران تتعامل حالياً مع حركة معارضة عشوائية تفتقر لتنظيم قوى، حيث كان هناك تمرد واضح ضد تزوير الانتخابات، ولكن لم يكن هناك تنظيم قوى يقف وراء هذا التمرد، مما سمح بقمع المتظاهرين بسهولة. وأضاف الباحث أنه خلال ال 30 عاماً الماضية بدا وكأن المجتمع الإيرانى أحدث تغييرات كبيرة فى بنيته، وهو التغيير الذى ظهر فى نظامه الاجتماعى إلا أن انعكاسه على الحياة السياسية لم يكن واضحاً. فهناك احتجاجات قوية فى كل مكان الآن فى إيران، ولكن هذا لا يعنى أنها ذات طبيعة ثورية. ووفقا لما نشرته صحيفة «تايم» الأمريكية فربما يكون لمقتل متظاهرة واحدة- هى ندا أغا- آثار عديدة على الشعب الإيرانى، فالمسلمون الشيعة يقيمون حداداً فى اليوم الثالث والسابع والأربعين لموتاهم، وبعد مقتل العديد من المتظاهرين نهاية الأسبوع الماضى، بالتأكيد لن يستمر الوضع الاحتجاجى كما هو قبل عمليات القتل التى حدثت. وبينما رأى أزادييه خان، أن المعارضة يمكن أن تستمر من خلال تنظيم إضراب عام، كما ذكر موسوى، لافتاً إلى أن الثورة الإيرانية فى1979 لم تقم بين عشية وضحاها وإنما بدأت قبل ذلك ب 3 سنوات. كان برنارد أكثر تشككاً فى إمكانية نجاح أمر مماثل، وقال إنه ربما كان ممكناً فى عهد الشاه، حيث كان لا يزال هناك تنظيمات تلتف حول الحزب الشيوعى، إلا أن هذا النسيج الشعبى لم يعد له وجود حالياً، كما هو الحال فى اتحاد «البازارات» أو المحال، حيث كان أصحاب المحال التجارية قديماً على صلة برجال الدين، وكانوا يشكلون شبكة اجتماعية واقتصادية ودينية قوية ولها تأثير على الساحة الإيرانية، أما الآن فإن البزاريين يعملون فى أبراج زجاجية بعيداً عن الشارع الإيرانى، بحسب وصف الباحث.. إلا أن الباحثين أجمعا على أن هناك توترات مكتومة ضد سياسات أحمدى نجاد وحزبه، نظرا لما أدت إليه من إفقار الطبقة المتوسطة، وعزلة إيران على الساحة الدولية، والقيود المفروضة على الحريات، وسواء بوجود موسوى أو غيره فإن المعارضة ستستمر، وستظهر فى أشكال مختلفة للتمرد داخل المجتمع خلال الفترة المقبلة.