قال المذيع الشهير وهو يتميز غيظا بعد هزيمتنا النكراء فى كأس القارات على أقدام أبناء العم سام «اللى حصل للعيبة بتوعنا يأكد إن فيه شىء نجس فى الملعب.. دى ناس استهترت بسمعة مصر.. بدل ما الواحد فيهم يقرب من ربنا ويدعى له ويصلى له ويقول يا رب إكرمنى يقوم يجيب ستات». وبعد هنيهة دخل اللاعب الشهير على هواء المذيع الشهير وهو يتصبب سخطا «إزاى تقولوا كلام زى ده على أشرف جيل لعيبة فى تاريخ مصر.. كلنا بنصلى الفرض بفرضه، وبنقرا القرآن مع بعض، وبنعرف ربنا كويس أوى وقريبين منه، فيها إيه يعنى لو اتغلبنا فى ماتش». ومن ساعتها والناس فى بلادى منقسمون، بعضهم يرى أن «شيئا نجسا» فى جنوب أفريقيا جعل «كباتننا» يلعبون كأنهم سكارى وما هم بسكارى فى مباراة كانت لوزة مقشرة وشيكة السقوط فى أفواهنا، والبعض الآخر يرى ما حدث ابتلاء لكى لا نفرح بما آتانا، ويوقن أن لاعبينا البررة لا يمكن أبدا أن يفكروا فى أنصاصهم التحتانية، وأن الدنيا لو عُرضت عليهم فى صورة امرأة لعوب لقالوا لها حتما: غُرِّى غيرى. وبين صراع الشهوة والفضيلة يتجلى مظهر جديد لخيبتنا بالويبة فى كرة القدم وغير كرة القدم، وعشقنا لعدم الوصول إلى حل لأننا نهرب دائما من وضع أيدينا على المشكلة. مع احترامى لجميع الكباتن فى ملعب الوطن، لو كانت نجاسة اللاعب وشهواته سببا لخسارته، ولو كانت تقواه وورعه سبيلا إلى فوزه، لفاز فريق طالبان بكل كؤوس العالم، ولحصدت المحاكم الشرعية الصومالية ميداليات كل دورات الألعاب الأوليمبية، ولباء بالخسارة والفضيحة كل لاعبى العالم من الفسقة الذين يعاقرون الخمور ويسافدون الكاسيات العاريات ويمشون على حلِّ فانلاتهم. مع احترامى يا كابتن، ليس عيبا أن تضعف كإنسان أمام شهواتك، وليس من حقى أن أتدخل فى حياتك الشخصية، فالوحيد الذى من حقه أن يحاسبك عليها هو ربك الذى خلقك، أو سلطات العدالة إذا تجاوزت ووقعت فى قبضتها، العيب أن تكون غبيا فتهدر فرصتك فى نيل المجد، العيب أن تخذل أملى فيك، العيب ألا تلعب بشرف ورجولة. آه، بمناسبة الرجولة، ارمح طول الليل على سراير المتعة إن أردت، أنت حر، لكن المهم أن تكون بعدها قادرا على الرمح لساعة ونصف فى المستطيل الأخضر لتدخل السعادة على قلوب من يحبونك، يا سيدى لو أنك جعلت من عملك متعتك لاستمتعت وأمتعتنا معك. اقض الليل ساجدا إن أردت، سيتقبل الله منك، لكن ما نريده منك أن تسجد لله شكرا داخل الملعب بعد ما تحرزه من أهداف، فلو أنك جعلت من عملك عبادتك لكسبت ثوابك وكسبت فينا ثوابا. يا أبا الكباتن، مشكلتك كلاعب ليست فى أنك سهرت الليل متهجدا أو سهرته عابثا، مشكلتك أنك تسهر الليل أساسا، مشكلتك هى نفس مشكلة أبناء وطنك.. أنك لست محترفا ولست كفؤا ولست على قدر المسؤولية، مشكلتك أنك كأى شىء فى بلادك لديك مشكلة فى «الفينيش»، فى التقفيل، فى الخيال، فى اللمسة الأخيرة، فى العاطفة الهوجاء التى لا تعرف المنطق، فى الهيصة التى يقطمها النزول الحتمى على مافيش. يا كابتن، مشكلتك أنك مثلنا جميعًا قابل للتصدع السريع والانهيار الفورى، مشكلتك أن كل شىء فى حياتك بالصدفة، مشكلتك أنك تلعب وأنت تحلم بحتة الأرض التى سيخلصها لك أحدهم بعد أن تأخذ مكافأة البطولة، مشكلتك أنك لا ترى مرمى الخصم بقدر ما ترى أمامك إعلانات الشاى والحاجة الساقعة والموبايلات وأمواس الحلاقة ومستقبل العيال، بينما من يلعب أمامك لا يرى أمامه سوى مرماك ولذلك يأتيه كل ما تحلم به مباشرة بعد فوزه عليك، مشكلتك أنك تنشغل بمستقبلك أكثر من حاضرك فتضيع الاثنين معا، بينما خصمك يعرف أن مستقبله تضمنه اللحظة التى يعيشها الآن، ولذلك فهو يعطيها حقها بكل إخلاص واحتراف وحب واستمتاع، مشكلتك أنك تحسم معاركك قبل أن تخوضها فتخسرها كالعادة، وخصمك عندما يقع فى هذا الخطأ ويتعامل معك بفوقية ويرى أنك بدأت تتفوق عليه، يلم نفسه فورا ويتعلم من أخطائه ويقيل عثرته ويتقدم ويعود ليكسبك من جديد، فلا تهنأ يا حلو بما ظننته مكسبا سيدوم. يا كل الكباتن فى هذا الوطن المبتلى بغياب العقل، صدقونى، ليس مهمًا داخل أى ملعب فى ملاعب الحياة أن تكون تقيا أو فاجرا، المهم أن تكون كفؤا. هذا وإلا فسنظل موعودين إلى الأبد بالفرحة المقطومة. هارد لك، هارد كانترى. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]