كان الأسبوع الماضى هو «أسبوع أوباما» بحق فى الصحافة والإعلام التليفزيونى والمنتديات العامة، وبعد أن ساد الظن أن «الزيارة» سوف تأخذ ليلتها أو بعد يوم ثم تأتى الأيام بما يصرف الذهن والطاقة.. إلا أن ما جرى طوال الأيام، كان أن حضور الرئيس الأمريكى إلى مصر كان واحدا من وسائلنا لكى نعرف، أو بالأحرى نعيد تعريف أنفسنا فى الساحة العامة. فلم تكن هناك صدفة أبدا أن يستخدم - مع حفظ الألقاب والتقدير- عزمى بشارة ومحمد حسنين هيكل ومهدى عاكف وإبراهيم عيسى وفهمى هويدى الوصف نفسه – «كلمتين: علاقات عامة» - على اختلاف توجهاتهم بين الإسلامية والقومية والليبرالية.. وكل ما بين بين. فكما هو معتاد، فإن الأحداث الكبرى، أو حتى الصغرى، لا تجرى حسب شأنها، ولكنها تضاف إلى المواقع والخنادق الفكرية والسياسية كما هى، لكى تؤكدها، حتى لو استدعى الأمر بعضا من لىّ الحقائق والأقوال، حتى تنسجم مع النموذج المحدد سلفا والذى لا يقبل تغييرا أو تعديلا. ولم يكن خطاب باراك أوباما فى جامعة القاهرة استثناء من القاعدة. وإلى هنا لم يكن هناك أمر يستحق التعليق، لولا أن المطالعات فيما تقوله الفرق المختلفة لم تطرح أبدا أسئلة رئيسية لا تستكمل الصورة إلا بها، ولا تعرف الحقيقة إلا بعد الإجابة عنها. فلم يسأل أحد مثلا عما إذا كان خطاب أوباما قد تم تفصيله علينا لكى يلائم عقولنا البسيطة، أم أن ذلك هو أسلوب وطريقة الرجل فى كل الأوقات. المسألة هكذا لا تحتاج جهدا كبيرا فصاحبنا لا يكف عن الكلام طوال العامين الماضيين، خلال الحملة الانتخابية وبعدها، ومن السهل التعرف على أن ما قاله لنا كان هو تمامًا ما قاله للآخرين، سواء كان هؤلاء الآخرون هم الشعب الأمريكى، أو الدول الأخرى من رُتب الحلفاء والخصوم وحتى الأعداء: البناء المشترك، فتح صفحة جديدة، تعريف العلاقات ليس على أساس ما هو مختلف عليه وإنما وفقا للمصالح المستقرة فى مستقبل واعد للجميع.. كان هذا هو ما قاله أوباما للأمريكيين وأعضاء حلف الأطلنطى وروسيا وكوبا وإيران وحتى فنزويلا، لأن منهجه فى السياستين الداخلية والخارجية نابع من مدرسة واحدة، لها جذورها فى التاريخ الأمريكى والفكر السياسى الذى أسس الدولة الأمريكية. لم يخترع أوباما إذن لنا خطابا خاصا، فتلك هى لغته، وهكذا هو منهجه الخاص، لأن أحدا من المرشحين الأمريكيين الآخرين فى الحملة الانتخابية لم يقترحه، ولم تكن صناعة هذا الخطاب وحده خاصة ومتفردة وغير مسبوقة، والقول على سبيل ادعاء العلم بأن ما بين 38 و42 اشتركوا فى إعداد هذا الخطاب وكأنه اكتشاف ومعرفة ببواطن الأمور، ينفى أن ذلك هو ما يحدث فى كل خطب الرئيس الأمريكى، ليس هذا الرئيس وحده، بل كل الرؤساء. وفى كل الموضوعات. وخلال الشهور الماضية لم يكف مسؤول أمريكى واحد عن السؤال لكل من له علاقة بالموضوع: ما هو تصورك عن خطاب أوباما للعالم الإسلامى؟ ولم يكن السؤال ملحًا، لأن أوباما ينوى القيام بحملة للعلاقات العامة، أو لإعطاء العرب والمسلمين بعضا من معسول الكلام، أو لتحسين الصورة الأمريكية بعد فترة سيئة من قيادة جورج بوش، وإنما لأن الرئيس الأمريكى يريد بالفعل أن يصلح العلاقات مع العالم الإسلامى، وأن يحل معضلات تاريخية طال زمانها حتى صارت عبئا على التاريخ والحضارة الإنسانية. خطاب الرئيس الأمريكى هنا لا يمكن، ولم يحدث أبدا، إلا أن يكون جزءا من فعل وحركة بدأت قبله وسارت بعده، بل هو فعل والتزام فى حد ذاته، وعندما تحدث أوباما عن ميزانيات للتعليم فى باكستان، أو معونات من أجل تحسين أحوال المرأة، أو أزمنة للانسحاب من العراق، أو الموقف من القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها وفى تناقض مع الحكومة الإسرائيلية الراهنة. لم يكن ذلك حملة للعلاقات العامة، وإنما سياسة ترتب مواقف من إسرائيل واللوبى الصهيونى فى الولاياتالمتحدة، ومفاوضات مع الدول العربية، وحركة من الحلفاء فى أوروبا وبقية العالم. لم ينته التاريخ مع الخطاب، ولكنه بمعنى من المعانى كان قد بدأ، على الأقل لكى يترجم خطابا ومنهجا إلى واقع، وسواء نجح أو فشل فى ذلك فإن الأمر سوف يتوقف على أطراف كثيرة، أخطرها من يريدون الهروب من الموقف والسياسة، بادعاء بقاء الأمور على ما كانت عليه!