شاهد ..القسام تفجر دبابة بألغام إسرائيلية.. مشاهد مثيرة لكمين في رفح    جداول تنسيق القبول بمدارس الثانوى الفنى الصناعى والتجارى والفندقى بالجيزة .. تعرف عليه    قرار جديد من الداخلية بشأن التسجيل بدفعة معاوني الأمن الجديدة للذكور    5 صور ترصد زحام طلاب الثانوية العامة داخل قاعات مكتبة الإسكندرية    جولر يقود تشكيل تركيا ضد التشيك فى يورو 2024    الرئيس الإيراني الأسبق روحاني يدعم مرشحًا معتدلًا قبل الانتخابات    مباشر يورو 2024 - تركيا (0)-(0) التشيك.. انطلاق المباراة    تفاصيل عرض برشلونة لخطف جوهرة الدوري الإسباني    بالأسماء.. مصرع 6 أشخاص وإصابة 3 في حادث تصادم ب"زراعي البحيرة"    مصرع طالبة سقطت من الطابق الرابع بالعجوزة    التعليم تعلن نتيجة امتحانات الدور الأول للطلاب المصريين بالخارج    قبل انطلاقها.. مسرحية "ملك والشاطر" ترفع شعار "كامل العدد"    على أنغام أغنية "ستو أنا".. أحمد سعد يحتفل مع نيكول سابا بعيد ميلادها رفقة زوجها    "يا دمعي"، أغنية جديدة ل رامي جمال بتصميم كليب مختلف (فيديو)    هل يجوز الاستدانة من أجل الترف؟.. أمين الفتوى يجيب    أحمد المسلمانى: أمريكا تقدم نفسها راعية للقانون وتعاقب الجنائية الدولية بسبب إسرائيل    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    سماجة وثقل دم.. خالد الجندي يعلق على برامج المقالب - فيديو    بالفيديو.. أمين الفتوى: العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة عليها أجر وثواب    في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات- هل الأدوية النفسية تسبب الإدمان؟    القوات المسلحة تنظم مؤتمراً طبياً بعنوان "اليوم العلمى للجينوم "    "شباب النواب" توصى بصيانة ملاعب النجيل الصناعي في مختلف محافظات الجمهورية    بشرى لطلاب الثانوية العامة.. مكتبة مصر العامة ببنها تفتح أبوابها خلال انقطاع الكهرباء (تفاصيل)    «قطاع الآثار»: فيديو قصر البارون عار تمامًا من الصحة    أزمة جديدة تواجه شيرين عبد الوهاب بعد تسريب 'كل الحاجات'    وزير الرى يدشن فى جنوب السودان مشروع أعمال التطهيرات بمجرى بحر الغزال    فاشل وكاذب .. الموقف المصري : عطش مطروح يكشف تدليس السيسي عن تحلية المياه    لماذا يقلق الغرب من شراكة روسيا مع كوريا الشمالية؟ أستاذ أمن قومي يوضح    صندوق النقد الدولي يقر بتمويل 12.8 مليون دولار للرأس الأخضر    الرئيس السيسي يوقع قوانين بربط الحساب الختامي لموازنة عدد من الهيئات والصناديق    مساعد وزير البيئة: حجم المخلفات المنزلية يبلغ نحو 25 مليون طن سنويا    كيف يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الرحلات الجوية؟.. عطَّل آلاف الطائرات    بتكلفة 250 مليون جنيه.. رئيس جامعة القاهرة يفتتح تطوير مستشفي أبو الريش المنيرة ضمن مشروع تطوير قصر العيني    «مياه كفر الشيخ» تعلن فتح باب التدريب الصيفي لطلاب الجامعات والمعاهد    اخوات للأبد.. المصري والإسماعيلي يرفعان شعار الروح الرياضية قبل ديربي القناة    المشدد 15 سنة لصاحب مستودع لاتهامه بقتل شخص بسبب مشادة كلامية فى سوهاج    كيف يؤدي المريض الصلاة؟    منتخب اليد يتوجه إلى كرواتيا 4 يوليو استعدادا لأولمبياد باريس    خبير شئون دولية: فرنسا الابن البكر للكنيسة الكاثوليكية    مهرجان فرق الأقاليم المسرحية.. عرض «أحداث لا تمت للواقع بصلة» و«الحضيض» الليلة    «التمريض»: «محمود» تترأس اجتماع لجنة التدريب بالبورد العربي (تفاصيل)    الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي: صرف معاشات شهر يوليو اعتبارا من الخميس المقبل    نجم ميلان الإيطالي يرفض عرض الهلال السعودي ويتمسك بالبقاء في أوروبا    وزيرة البيئة تتابع حادث شحوط مركب سفاري بمرسى علم    الصحة: استجابة 700 مدمن للعلاج باستخدام برنامج العلاج ببدائل الأفيونات    الإعدام لثلاثة متهمين بقتل شخص لسرقته بالإكراه في سوهاج    شديد الحرارة رطب نهارًا.. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس غدا الخميس    لجنة القيد بالبورصة توافق على الشطب الإجبارى لشركة جينيال تورز    مختار مختار: عدم إقامة مباراة القمة خسارة كبيرة للكرة المصرية    ختام دورة "فلتتأصل فينا" للآباء الكهنة بمعهد الرعاية    تعيين 4 أعضاء جدد في غرفة السلع والعاديات السياحية    المنظمات الأهلية الفلسطينية: الاحتلال يمارس جرائم حرب ضد الإنسانية في قطاع غزة    فحص 764 مواطنا فى قافلة طبية مجانية بقرى بنجر السكر غرب الإسكندرية    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    الأكاديمية الطبية تفتح باب التسجيل في برامج الماجستير والدكتوراة بالمعاهد العسكرية    أحمد فتحي: انسحاب الزمالك أمام الأهلي لا يحقق العدالة لبيراميدز    «حلو بس فيه تريكات».. ردود فعل طلاب الثانوية الأزهرية بقنا عقب امتحان النحو    الجريدة الكويتية: هجمات من شتى الاتجاهات على إسرائيل إذا شنت حربا شاملة على حزب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«دكان شحاتة»..ملحمة شعبية عن واقع مصر منذ اغتيال السادات إلى ما بعد 2011

بعد رائعة «حين ميسرة» عام 2007، يعود الثلاثى المبدع خالد يوسف مخرجاً وناصر عبدالرحمن كاتباً وكامل أبوعلى منتجاً ليقدموا عام 2009 «دكان شحاتة»، أحد أهم الأفلام فى السينما المصرية المعاصرة، الذى يعبر عن رؤية شاملة لواقع مصر منذ اغتيال الرئيس السادات وتولّى الرئيس مبارك عام 1981 إلى عام 2005، حيث جرت أول انتخابات رئاسية بين أكثر من مرشح، ويتجاوز الحاضر إلى المستقبل عام 2013 بعد انتخابات الرئاسة القادمة عام 2011.
يأخذ الفيلم شكل الملحمة الشعبية مثل ملحمة أبوزيد الهلالى، وغيرها من الملاحم التى ترددها الشعوب على مر العصور، وليس شكل الفيلم الواقعى، كما هو معتاد فى الأفلام التى تعبر عن الواقع الاجتماعى والسياسى. وفيه يؤكد خالد يوسف على موقفه الأيديولوجى الناصرى، حيث يرى أن ما أدى إلى اغتيال السادات تخليه عن مبادئ ثورة يوليو 1952 ورمزها الرئيس عبدالناصر،
وأن ما أدى إلى سلبيات عصر مبارك استمرار سياسات السادات، وأن هذه السلبيات سوف تصل إلى ذروتها عام 2013، حيث يقتل الأخ أخاه فى الصراع على الثروة كمصدر للسلطة، ويصل التفاوت الطبقى إلى حد الاقتتال فى الشوارع بالسكاكين.
وهذه الرؤية بالطبع من داخل الفيلم، ولا علاقة لها بتصريحات المخرج، أو أى شىء من خارج الفيلم. وعمل الناقد أن يحلل الفيلم كما صنعه أصحابه، وليس كما يريد.
مولد شحاتة
يتكون البناء الدرامى للفيلم من مقدمة وثلاثة فصول. فى المقدمة، ومع عناوين الفيلم، يخرج شحاتة (عمرو سعد) من السجن عام 2013 ليرى الناس يهجمون على قطار محمل بأجولة القمح، وقوات الشرطة تطاردهم، مع أغنية على شريط الصوت مطلعها «لم يبق منى غير بعض الضوء فى عيونى». وعبر عناوين الصحف، ومع كتابة تواريخ الأعوام على الشاشة، نقرأ عن أهم الأحداث التى وقعت فى مصر تنازلياً من 2013 إلى 1981.
ونتوقف عند 1981 حيث تم اعتقال نحو ألفين من «النخبة» المصرية فيما أطلق عليه البعض «ثورة سبتمبر»، واغتيال السادات فى 6 أكتوبر. وفى قرية بالصعيد يولد شحاتة، وتموت والدته إثر الولادة، ويحمله والده حجاج (محمود حميدة) فى قطار يتوجه به إلى القاهرة.
عناوين الصحف المختارة لا تهتم بالأحداث السياسية فقط، وإنما أيضاً بكل الحوادث التى روّعت مصر فى العقد الأول من القرن الميلادى الجديد مثل غرق العبارة، وحريق قطار الصعيد، وحريق مسرح بنى سويف، وحريق مجلس الشورى.
ولا ينسى خالد يوسف موت أستاذه يوسف شاهين عام 2008. وفى هذا الفيلم يبدو تأثر التلميذ المشروع بأستاذه، وخاصة فى فيلمى «عودة الابن الضال» 1976، حيث يقوم أفراد العائلة فى النهاية بقتل بعضهم البعض، و»هى فوضى» 2007 الذى اشترك فى إخراجه، وعن سيناريو ناصر عبدالرحمن أيضاً.
ويقصد ب»المشروع» هنا التأثر الذى لا يلغى شخصية التلميذ وأسلوبه ووجهة نظره المختلفة. والتماهى بين الأستاذ والتلميذ فى «هى فوضى» لا ينفى بأى حال أن لكل منهما عالمه الخاص وموقفه الفكرى، وإن اتفقا على التحذير من فوضى تعمُّ المجتمع المصرى مع استمرار الأوضاع التى يتفاقم فيها الفساد، وتتسع المسافة بين القانون والعدل.
شحاتة الدكان
فى الفصل الأول، الذى تدور أحداثه عام 1981، يصل حجاج إلى فيلا الدكتور مؤنس (عبدالعزيز مخيون) فى ضاحية المعادى بالقاهرة، حيث يعمل جناينياً فى حديقة الفيلا مثل والده، ويعيش فيها مع ولديه «طلب» و«فسالم» وابنته نجاح من زوجته الأولى التى خانته، وتصل هذه المعلومة من خلال حوار بين مؤنس وحجاج فى مشهد «عودة إلى الماضى»، هو الوحيد من نوعه فى الفيلم.
خرج مؤنس لتوّه من المعتقل، حيث كان من بين المعتقلين فى سبتمبر، وهو من اليسار الاشتراكى رغم أصوله الأرستقراطية. وبمناسبة مولد شحاتة يقوم مؤنس بمنح حجاج قطعة من أرض الحديقة يقيم عليها دكاناً لبيع الفاكهة، ويطلق حجاج على الدكان اسم «دكان شحاتة» حباً فى الطفل الذى «شحته» من الله بعد أن تجاوز عمر الشباب، على حد تعبيره. ولكن مؤنس يحذره من تفضيل شحاتة على أخويه من زوجته الأولى.
يضع حجاج على أحد الجدران صورة جمال عبدالناصر، مثله مثل الملايين من الفقراء الذين أصبح عبدالناصر رمزاً للحكام الذين عاشوا وعملوا وماتوا من أجلهم، ومن دون أن يكونوا أعضاءً فى الاتحاد «الاشتراكى»، ولا فى الحزب «الناصرى» بعد ذلك، أو فى أى حزب.
يقول حجاج لمؤنس عندما يسجل قطعة الأرض باسمه: «ولدك محمود لما يرجع من أمريكا حيعمل عمايل»، ولكن مؤنس لا يبالى. وعبر الراديو نسمع أحداث تمرد قوات الأمن المركزى عام 1986 والتى كانت سابقة لا مثيل لها فى تاريخ مصر الحديث.
وتمر السنوات، ويكبر «طلب» (صبرى فواز) و»سالم» (محمد كريم) و»نجاح» (غادة عبدالرازق) التى تزوجت وأنجبت من «على» (طارق عبدالعزيز)، ونرى شحاتة الشاب (عمرو سعد).
شحاتة الإنسان
وفى الفصل الثانى، الذى تدور أحداثه عام 2005، تتضح أبعاد شخصية شحاتة المركّبة والعميقة. فهو قوى البنية، يستطيع الانتصار على عدة أشخاص بضربات متلاحقة، ولكنه شديد الطيبة فى نفس الوقت.
إنه يعرف متى يكون عنيفاً ومتى يكون متسامحاً. والطيبة فى مصر كلمة تعادلها فى الإنجليزية الصلاح، ولكن ظلالها المصرية تتجاوز معنى الصلاح، وتشمل أيضاً النبل والقدرة على الاحتمال والتمسك بالأخلاقيات الإنسانية الفطرية.
وقد شغلت «الطيبة» يوسف شاهين كثيراً، وكان رحمه الله يقول دائماً: لا أريد لنفسى إلا أن أكون طيباً، ولا أريد من الآخرين إلا أن يكونوا طيبين معى.
شحاتة إنسان طيب، ولذلك يتسامح مع أخويه «طلب» و»سالم» اللذين يشعران بالغيرة منه منذ الطفولة لتفضيل والدهم له عليهما. وهى الغيرة التى حكمت العلاقة بينهما وبين أخيهم الأصغر.
أما نجاح فهى تحب الثلاثة، وتتعاطف مع شحاتة لأنها تدرك قيمة طيبته، بقدر ما تنفر من زوجها لضعفه وقلة حيلته أمام الصراع بين شحاتة وأخويه.
إنها المرأة المصرية «الجدعة» رغم أنها مغلوبة على أمرها، والتى لا تسكت عن قول الحق، ولكنها لا تملك سوى القول. وتلك من سمات أغلب نساء يوسف شاهين.
شحاتة العاشق
يتبادل شحاتة الحب مع «بيسة» (هيفاء وهبى) شقيقة «كرم» (عمرو عبدالجليل) التى تعيش معه فى غرفة فوق سطح عمارة قريبة من دكان شحاتة، يؤجرها خلسة حارس العمارة «كرار» (أحمد وفيق)، والذى جاء من الصعيد مثلهم جميعاً.
«كرم» لا يعيش فى العشوائيات، ولكنه نموذج لشخصية العشوائى التى أنتجتها عشوائيات القاهرة فى العقدين الماضيين. كان هناك دائماً «البلطجية» فى كل مدن الدنيا، مثل قطاع الطرق فى القرى والصحارى والبحار، ولكن «بلطجى» زمن العشوائيات التى لم تعرفها القاهرة طوال تاريخها الممتد ألف عام ويزيد، له سمات خاصة تتمثل فى «كرم»، وفى مساعده «البرص» (رامى غيط).
بلطجى زمن العشوائيات فى القاهرة لا يعى أى شىء ولا حتى أنه بلطجى. إنه كائن يحمل مطواة أو سكينًا طوال الوقت، وإسالة الدماء عنده أمر عادى، وليست جرماً تحرّمه كل قوانين السماء والأرض التى لا يعرفها. إنها طريقته الوحيدة للبقاء. يردد الأمثال الشعبية، وهى كل ثقافته التى يسمعها هنا وهناك، مع الخلط بينها على نحو صارخ، متصوراً أنها الحكمة بعينها. إنه لا يعرف معنى ما يقول، وحديثه مثل همهمات الإنسان الأول قبل أن ينطق.
يتزوج «كرم» من الطالبة «إنجى» (ريهام عادل) بطريقة عشوائية أيضاً، فهو يتقدم لطلب يدها من أمها الضريرة بائعة الحلوى على الرصيف، ويقول لها هيا نكتب الكتاب بسرعة لأننى تركت موتور السيارة يعمل فى موقف سيارات الأجرة، وهو الموقف الذى يمارس فيه البلطجة مع مساعده البرص.
وفى مشهد- ذروة، ومن أجرأ المشاهد السياسية فى السينما المصرية، تتم الاستعانة ب»كرم» فى انتخابات الرئاسة عام 2005، ونراه يمزق الأوراق النقدية إلى نصفين يعطى للناخب نصفاً قبل دخول موقع صناديق الانتخاب، ويعطيه النصف الثانى بعد أن يدلى بصوته، فضلاً عن توزيع الدجاج المجمد، وغير ذلك من وسائل شراء الإرادة.
ومن هذا المشهد ننتقل إلى حجاج وهو يطلب من شحاتة أن يدارى شرخاً فى الجدار بصورة عبدالناصر. يقول شحاتة إن الصورة لن تدارى الشرخ، ويرد والده: داريه على قدر المستطاع. وهنا يبدو تحيز خالد يوسف الأيديولوجى إلى عصر عبدالناصر وثورة يوليو، فتزوير الإرادة وتزوير الانتخابات ارتبط بأغلب الانتخابات والاستفتاءات، وخاصة بعد ثورة يوليو، وفى كل الأنظمة غير الديمقراطية.
يطلب سالم من حجاج أن يتزوج بيسة رغم علمه بالحب المتبادل بينها وبين شحاتة، ويرفض حجاج، ويقرر زواج شحاتة وبيسة. ويوافق كرم، ولكنه يشترط ضمان حق شحاتة فى الدكان، والذى يشك فى حصوله عليه من أخويه بسبب تسامحه معهما.
شحاتة المظلوم
يموت حجاج، ويحمل أولاده الجثمان فى سيارة إلى مقابر القرية فى الصعيد، وفى الطريق نرى أهالى بنى سويف فى مظاهرة بعد حريق المسرح.
وفى مشهد- ذروة آخر، ومن أكثر مشاهد الفيلم براعة فى الإخراج والتمثيل، يبدأ الصراع بين شحاتة وأخويه بعد دفن الجثمان مباشرة، ويضطر شحاتة إلى مواجهة إهانة أخويه لاسم والده بضربهما ضرباً مبرحاً بينما تصرخ نجاح، وتدوّى صرخاتها فى البرية. وينتهى المشهد بترك شحاتة وحده فى المقابر يبكى ويناجى والده.
يذهب مؤنس إلى أمريكا للعلاج، ويأتى ابنه محمود إلى القاهرة، ويقرر بيع الفيلا لتكون منزلاً لسفير أجنبى، ويعطى مليون جنيه لأولاد حجاج فى غياب شحاتة حتى يغادروا الفيلا.
وفى مشهد مونتاج يتذكر شحاتة والده وهو يساعده على الاستحمام، وفجأة، يتم القبض على شحاتة بتهمة تزوير عقد يبيع فيه والده الدكان له وحده، ويحكم عليه بالسجن ظلماً. وتتزوج بيسة من سالم تحت ضغط كرم، ورغم محاولتها الانتحار أكثر من مرة تخلصاً من ذلك الزواج، فإنها تظل على حبها لشحاتة، وتزوره فى السجن، ولا تستطيع أن تنساه.
شحاتة الطيب
وفى الفصل الثالث والأخير نعود إلى عام 2013 زمن المقدمة، وذلك عن طريق إعادة مشاهد خروج شحاتة من السجن، وسرقة قطار القمح، ومرة ثانية نرى شحاتة يتذكر والده فى مشهد مونتاج، وعندما يتوجه إلى الفيلا لا يجد الدكان، ولا يجد إخوته، ويجد الفيلا وقد تحولت إلى منزل سفير إسرائيل فى القاهرة.
وهنا مرة أخرى يبدو تحيز خالد يوسف الأيديولوجى من حيث الإيحاء بأن الفيلا هى مصر، وأنها تحولت إلى منزل سفير إسرائيل، ومن حيث التأكيد على أن من باع مصرى، ولكنه جاء من أمريكا.
فإسرائيل لم تستول على مصر، وسفيرها يعانى العزلة بسبب تأييد مصر لحقوق الشعب الفلسطينى التى ترفضها إسرائيل، والذى باع الفيلا كان من الممكن أن يأتى من باريس أو طوكيو، وليس بالضرورة من أمريكا.
يبحث شحاتة الطيب عن أخويه وأخته لسبب واحد وهو أنه يفتقدهم بعد ثمانى سنوات طوال فى السجن، ولا يعنيه قط بكم بيع الدكان وما نصيبه، بل لا يعنيه من كان وراء سجنه ظلماً ولماذا، كما يبحث عن حبيبته بيسه، ويتذكر اللحظات الجميلة بينهما فى مشهد مونتاج ثالث.
إنه لا يفكر فى الماضى، وإنما فى الحاضر، ولا يعرف ما هو المستقبل. تشده عواطفه وتحركه، ويذهله الصراع على الخبز والمياه فى الشوارع، ويتطوع للدخول فى معركة بين البلطجية لإنقاذ البرص لأنه يعرفه، ورأى كثرة تهجم عليه وهو وحده.
نرى طلب وسالم وقد أصبحا من سماسرة العقارات الأثرياء، وبيسة تعيش مع سالم وقد أنجبا طفلاً، إلا أن الحياة بينهما تخلو من الحب، وتخلو حتى من التفاهم، ويستغل كرم من ناحية، وكرار من ناحية أخرى، رغبة طلب وسالم فى عدم توصل شحاتة إليهما على أساس أنه يريد الانتقام منهما. وتسعى نجاح للالتقاء مع شحاتة عندما تعرف مكانه، وفى منزلها يرى صورة عبدالناصر القديمة التى كانت فى الدكان، ويتذكر والده، ويقول وهو يتطلع إلى الصورة «الله يرحمك يا با».
تحلم بيسة أنها مع شحاتة فى الفراش فى مشهد حلم يقظة عندما تعرف أنه خرج من السجن، ويعرف شحاتة أنها تزوجت سالم، ورغم الصدمة الكبيرة يغفر لهما. ويعرف الطريق إلى طلب وسالم، ويتوجه إليهما يوم زفاف ابن طلب الكبير، وكل الجيل الثالث لا يعرف عمه شحاتة سواء من أبناء نجاح أو طلب أو سالم، وكذلك ابن كرم وإنجى المصاب بالسرطان.
شحاتة الضحية
يذهب شحاتة إلى أخويه لمجرد رؤيتهما، فهو يقول دائماً، وبعفوية فطرية، إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده، ولكنهما يتصوران أنه جاء للانتقام، وبينما يدرك طلب الحقيقة فى الحديقة، حيث يقام حفل الزفاف، يأتى سالم من داخل المنزل مسرعاً وقد طاش صوابه ويطلق الرصاص على شحاتة دون تردد، ويسقط شحاتة، وتدوى صرخات نجاح وبيسة، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة يأتيه البرص ومعه جماعته من البلطجية، ويعاهده على الانتقام، ولكن شحاتة يرفض، وتكون آخر كلماته «دول إخواتى».
تبدأ جماعة البرص تدمير كل شىء، وننتقل من الفرح الذى تحول إلى مأتم إلى المشهد الأخير لشوارع وميادين مدينة القاهرة، حيث نرى المطاوى والسكاكين تشهر فى لقطات كبيرة، والناس يتزاحمون فى لقطات عامة، ورجال الشرطة يستعدون لإطلاق الرصاص فى لقطات متوسطة، وفى الجدل بين هذه اللقطات يبدو وكأننا فى «آخرة» الأيام.
المنطق الداخلى
أسلوب خالد يوسف فى إخراج الفيلم يتناسب مع طبيعة البناء الدرامى الذى شيده ناصر عبدالرحمن، وذلك من حيث تجاوز الواقعية إلى الملحمة الشعبية وإطلاق العنان للخيال، وإن كان يعبر عن الواقع. ويتوقف نجاح هذا الأسلوب، مثل أى أسلوب، على مدى التمكن من صنع منطق داخلى لتلقى الفيلم لكى يصدق المتفرج ما يراه درامياً حتى لو لم يكن يحدث عادة فى الواقع.
وقد نجح خالد يوسف فى صنع ذلك المنطق الداخلى، وذلك بالانتقال الحر بين الأزمنة من 2013 فى المستقبل القريب، إلى 1981 فى الماضى القريب، و2005 فى الماضى الأقرب.
وبالخروج الحر من الحاضر إلى الماضى فى مشهد الإخبار عن خيانة الزوجة الأولى لحجاج، ومن الواقع إلى الحلم فى مشهد حلم بيسة بشحاتة، وفى مشاهد المونتاج الثلاثة التى يتذكر فيها شحاتة والده وحبيبته.
ويتأكد المنطق الداخلى لعالم الفيلم بالجمع بين الروائى والتسجيلى فى المشاهد الأولى والأخيرة، والجمع بين الحوار والأغانى والمواويل على شريط الصوت من البداية إلى النهاية، فضلاً عن سلوك الشخصيات وأسلوب توجيه الممثلين والممثلات.
إننا لا نرى أحداً يمارس الحياة اليومية العادية، وإنما الجميع فى لحظات الذرى الدرامية التى تدفع الأحداث، وعلى سبيل المثال نحن لا نرى فى «دكان شحاتة» فردا واحدا يدخل لشراء الفاكهة.
وبموازاة غياب الحياة اليومية العادية، نرى فى أول مشهد من المقدمة العلاقة بين السجان والسجين، وبين السجناء فيما بينهم، وكأنهم أسرة واحدة، وتربط بينهم أخوة أعمق من التى تربط بين الإخوة من أب واحد فى الفيلم.
ومن هنا نتقبل ما لا يحدث فى الواقع عادة وكأنه يحدث كل يوم. مثل تنازل صاحب الفيلا عن جزء من الحديقة للجناينى، والحوار الذى يدور بينهما كصديقين، بل يتجاوز فيه الجناينى عندما يقول له إنك لمجنون.
فى هذا العالم نتقبل مثالية شحاتة المفرطة، وجشع طلب المفرط، وحماقة سالم المفرطة، وعجز نجاح المفرط، وبساطة والدهم المفرطة، وحب بيسة المفرط، وعدوانية كرم المفرطة، وضعف على المفرط.
وهذا الإفراط فى الطبائع من سمات لا واقعية الملاحم والسير والحكايات الشعبية، وهل هناك من يفكر كيف يقتل أبوزيد عشرة رجال بضربة سيف واحدة، أو كيف يطير البساط السحرى فى ألف ليلة وليلة.
وفى إطار هذا العالم نتقبل أيضاً أن يقوم كرم بدعوة بيسة للرقص أمام شحاتة، وفجأة ينقلب عليه ويصارعه بالعصا حتى يكاد يقتله ليتأكد أنه قوى وجدير بالزواج من شقيقته.
ونتقبل محاولات بيسة المتكررة للانتحار، ونجاتها بعد أن اشتعلت فيها النيران فى إحدى هذه المحاولات، بل نجاتها بعد أن ألقت بنفسها من الدور السابع فى محاولة أخرى.
الأغانى والمواويل
يوظف خالد يوسف الإضاءة والألوان (مدير التصوير أيمن أبو المكارم)، والديكور (تصميم حامد حمدان)، والأزياء (تصميم منية فتح الباب)، توظيفاً صحيحاً للتعبير عن عالم الفيلم الخاص لكى نصدقه درامياً، ونتابعه باستمتاع مثل كل عمل فنى جميل. ويقوم المونتاج المتميز الذى قامت به غادة عزالدين بدور رئيسى فى التعبير عن ذلك العالم،
وقد كان امتحاناً صعباً اجتازته المونتيرة بمهارة، ولكن المخرج لا ينجح بنفس القدر فى استخدام الأغانى والمواويل رغم أنها العنصر الأساسى فى أسلوب الملحمة الشعبية، ورغم الكلمات المعبرة والألحان القوية، إلى جانب رداءة ميكساج الصوت.
مباراة فى التمثيل
يصل خالد يوسف فى هذا الفيلم إلى ذروة جديدة من التمكن فى اختيار الممثلين والممثلات فى الأدوار التى تناسبهم، وفى إدارتهم على نحو بارع حتى إن الفيلم يعتبر مباراة شائقة فى التمثيل فى كل الأدوار من أكبرها إلى أصغرها، ما عدا هيفاء وهبى فى دور بيسة، فهى ربما تملك موهبة الغناء، ولكنها لا تملك موهبة التمثيل.
يبرز فى مباراة التمثيل محمود حميدة فى دور حجاج وعبدالعزيز مخيون فى دور مؤنس، فكلاهما فى أوج النضج والتألق والسيطرة على كل حركة وكل كلمة، ويصل عمرو عبدالجليل فى دور كرم، وصبرى فواز فى دور طلب إلى درجة كبيرة من الإتقان.
وكذلك أحمد وفيق فى دور كرار، وطارق عبدالعزيز فى دور على فى حدود دوريهما القصيرين، وبدرجة أقل جاء أداء محمد كريم لدور سالم ربما بسبب لحيته التى لا مبرر لها، وعدم سيطرته على العصبية المفرطة التى يفرضها الدور.
لم يتح دور نجاح للممثلة الكبيرة غادة عبدالرازق أن تقدم دوراً كبيراً مثل دوريها مع خالد يوسف فى «حين ميسرة» و»الريس عمر حرب». أما عمرو سعد فى دور شحاتة، ورغم تأثره بأداء أحمد زكى لدور الصعيدى فى «الهروب» إخراج عاطف الطيب عام 1991، إلا أن أداءه لا يقل عن أداء أحمد زكى، ويثبت هذا الدور أصالة موهبته، وأنه نجم من نجوم المستقبل فى السينما المصرية.
وقد قدم فى الفيلم عدة مشاهد «ماستر سين» لم يتردد المخرج فى استخدام اللقطات الكبيرة لوجهه فيها، مثل مشهد مناجاة والده فى قبره، واكتشاف خيانة أخيه، وكلماته الأخيرة قبل أن يموت.
«دكان شحاتة» عمل فنى كبير لمجموعة من كبراء السينما فى مصر القادرين على إثراء حاضرها ومستقبلها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.