إذا كانت المدرسة هى البيت الأول لتلقى العلم، والمدرسون هم بناة الثقافة والوسيلة التى تساعد الطلاب على التعايش فى هذا البيت، بهدف تنمية الوعى وخلق مواطن صالح يشارك بعد تخرجه فى الحياة المجتمعية والسياسية لبلده، فماذا سيحدث إذا تحول هذا البيت إلى أداة للضغط ومصدر للشعور بالظلم والإحساس بالمهانة ووسيلة لكبت الحريات وعدم التعبير عن الرأى؟ هذه الأسئلة طرحتها الدكتورة ناهد رمزى، مستشار علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، من خلال الدراسة التى أعدتها عن قياس القدرات الإبداعية لدى الطلاب بعد التحاقهم بالتعليم ما قبل الجامعى على عينة من طلاب الصف الرابع الابتدائى وحتى الثالث الثانوى، عن طريق تحليل مضمون المناهج الدراسية المقدمة للطلاب ورصد القضايا المطروحة بها، خاصة المواد الاجتماعية والإنسانية كالجغرافيا والتاريخ واللغات العربية والأجنبية. وأكدت ناهد أن المناهج التعليمية لا يمكنها تنشئة مواطن صالح يعلم حقوقه وواجباته، إذ خلت تلك المناهج من توعية الطلاب بحقوقهم الاجتماعية والسياسية، وكذلك من تعليمهم كيفية التعبير عن آرائهم بحرية، حتى فقد الطلاب حرية التعبير عن آرائهم، وساعد على ذلك عدد من الممارسات داخل الفصول التعليمية التى أدت إلى تنمية الإحساس بالظلم والشعور بالمهانة والقهر، أبرزها تكدس الفصول وضرب الطلاب والدروس الخصوصية والغش والتعليم الخاص وضغوط المدرسين. وحذرت ناهد من خطورة الضرب الذى يتعرض له الطلاب من قبل المدرسين، لأنه ينمى لدى الطالب إحساسا بالمهانة وافتقاد الكرامة وسط زملائه، فضلا عن الظلم الذى قد يشعر به عندما يرى أن هذا العقاب لا يتناسب مع ما ارتكبه من أخطاء. وأوضحت ناهد أن انتشار ظاهرة الغش وتسريب الامتحانات خاصة للطلاب القادرين مادياً، يؤثر بالسلب على هؤلاء الطلاب، بعدما أدركوا أنهم يستطيعون الحصول على كل ما يريدونه بأسهل الطرق حتى وإن كانت غير مشروعة أو غير أخلاقية، كما سيؤثر على الطالب المجتهد الذى يرى ضياع مجهوده وتساويه مع طالب لا يبذل جهدًا طوال العام، الأمر الذى يخلق نوعاً من عدم الرضا والشعور بالظلم. وقالت ناهد: «من بين العوامل التى ساعدت على ترسيخ الإحساس بالظلم لدى الطلاب، الدروس الخصوصية والتعليم الخاص بداية من المدارس الأجنبية وصولاً للجامعات، وتقديم تعليم متميز فى تلك المدارس، يؤهل خريجه للحصول على فرص عمل تساعده على استكمال حياته، يقابله تعليم حكومى لا يقدم أى إمكانات تستطيع تأهيل خريجه لسوق العمل، مضيفة أنها وزملاءها من أساتذة الجامعات كانوا يعتقدون أن إنشاء الجامعات الخاصة كان سيقابله دعم للجامعات المصرية، خاصة أن أغلب المفكرين والآدباء والعلماء والباحثين تخرجوا فى الجامعات المصرية، التى كانت تحتل مكانة عظيمة وسط الجامعات العالمية. وتابعت: «خطورة الدروس الخصوصية والتعليم الخاص تكمن فى أن كليهما يولد الفقر، فالطالب المجتهد النابغ العبقرى الذى لا يمتلك إمكانات مادية، لن يتمكن من الحصول على تعليم جيد يصقل عبقريته ويؤهله للحصول على وظيفة أفضل تمكنه من مواصلة حياته، بينما الطالب المتوسط أو الأقل من المتوسط وتتوافر لديه إمكانات مادية، يستطيع الحصول على تعليم أفضل يساعده فى تقلد مناصب وظيفية عليا، ليصبح التقييم أساسه المال وليس الاجتهاد والنبوغ، وبالتالى قتل القدرات الإبداعية لدى الطلاب». وتساءلت ناهد: «كيف لطالب يقضى 12 عاماً من عمره وسط نظام تعليمى ومناهج تعليمية وعوامل تعزز الإحساس بالظلم والقهر وإهدار الكرامة والشعور بالكبت، أن يكون مواطنا صالحا يعبر عن رأيه بحرية ويشارك فى الحياة السياسية والاجتماعية؟»!.