منذ 35 عاما بالضبط غنى المصريون خلف الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم «شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووترجيت.. عملوا لك قيمة وسيما سلاطين الفول والزيت، فرشوا لك أوسع سكة من راس التين على عكا.. ما هو مولد.. شيلاه يا أصحاب البيت». عمنا نجم الناصرى جدا طبعا كان يتهكم وبشدة على عودة الدفء للعلاقات المصرية - الأمريكية بعد سنوات من القطيعة والفتور منذ العدوان الثلاثى عام 56، واتجاه عبدالناصر إلى روسيا للتسليح والمساعدة الاقتصادية.. السادات كان له رأى آخر.. لماذا أذكر هذه القصة الآن.. لأن كثيرين يقارنون بين زيارة نيكسون وزيارة الرئيس أوباما الذى يصل مصر يوم الخميس ويلقى خطابه المرتقب للعالم الإسلامى، فعلى الرغم من اختلاف الرئيسين بشكل كبير، فإن التشابه ربما يكون فيما يسمى «الربيع الثانى» للعلاقات المصرية - الأمريكية، كما عنونت جريدة «الشروق». المصريون الآن يختلفون نوعا ما.. لا يستقبلون أوباما بالتهكم نفسه.. بل، بالعكس، يشعرون بشىء من الدفء وشىء من الأمل فى الرئيس الشاب الأسود الذى حملت خطبه الكثير من الاختلاف فى السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.. فإذا قالوا له «شرفت يا عم أوباما»، يقولونها «بعشم حقيقى». والحقيقة أن أوباما يمثل فرصة تاريخية – قصيرة الأجل – للعرب وقضاياهم.. إذا أحسنا استغلالها تغير التاريخ، وإذا تركناها تفلت من أيدينا عادت المنطقة للمنوال نفسه: صراعات ودماء وخلافات، وتخلف وجهل وتراجع فى التنمية. فرصة أوباما تكمن فى أنه لا يريد مواجهة الآن.. المواجهة فى عهد بوش كلّفت الاقتصاد الأمريكى الكثير.. ولا قبل لهذا الاقتصاد بتلك المواجهة الآن فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة.. تلك هى أولوية أوباما الحقيقية: الأزمة الاقتصادية.. وفى ظل ذلك يكمن تفسير سياساته خارجية أو داخلية. الفرصة لدينا هنا أن هذا الرئيس - حتى هذه اللحظة - يتمتع بشعبية ضخمة تجعله يستطيع أن يأتى إلى المنطقة دون أن يزور إسرائيل.. بل دون أن يستأذن إسرائيل، وهو أمر لم يسبقه فيه أى رئيس أمريكى من قبل . هذا الرئيس لدية قدرة أن يوقف المستوطنات، أن يتابع عملية سلام جادة لدعم استقرار المنطقة وتدفق النفط إلى بلاده.. أن يتفاوض مع إيران ولا يكون الحل العسكرى هو خياره الأول.. كل هذا إلى حين.. ما هو هذا الحين، إما انتهاء الأزمة الاقتصادية أو تعالى ضغط اللوبى اليهودى الممول لحملته الانتخابية. تلك هى الفرصة الذهبية.. إذا لم يدرك الفلسطينيون ذلك ويخرجوا للعالم بحكومة موحدة تستطيع التفاوض.. إذا لم يدرك اللبنانيون ذلك وينتخبوا تيارا معتدلا يستطيع إنجاح المحكمة الدولية وقيادة البلد.. إذا لم تدرك القيادات العربية ذلك وتلفظ انقساماتها وصراعاتها وتلتزم اتجاه الاعتدال.. إذا لم ندرك فى مصر أن مصلحتنا يجب دائما أن تأتى أولا قبل صراعات المنطقة، وأن الإصلاح الداخلى يجب أن يتحرك، وبسرعة، وبلا تباطؤ وبدون أوامر خارجية. إذا لم ندرك كل ما سبق، نثق فى أنفسنا نطرد تيار التشدد، ندرك أن المصلحة وليس الشعارات هى أساس العلاقات والسياسات الآن.. إذا لم نتحرك وبسرعة فى هذه الاتجاهات فإننا سنخسر تلك النافذة الضيقة محدودة الأجل فى أجندة أوباما. شرّفت يا سيد أوباما.. وسنصغى باهتمام لكلمتك. [email protected]