ما أن أعلن البيت الأبيض عن اختيار الرئيس أوباما لمصر لإلقاء خطابه المنتظر إلى العالم الإسلامى إلا وتساءل وولف بليتزر، المذيع المعروف بشبكة «سى إن إن» عن سبب عدم زيارته لإسرائيل رغم وجوده فى المنطقة. وسؤال بليتزر ليس نشازا، فهو تعبير عما استقر فى سياسات واشنطن بالتأكيد على التحالف الأمريكى الإسرائيلى، حتى لو كان فى الأمور الشكلية أو الرمزية. ومع أن إسرائيل الرسمية حاولت التقليل من معنى امتناع أوباما عن زيارتها فى هذه المناسبة، بحجة أنه سيكون قد التقى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قبلها بأيام فى واشنطن، وليس هناك ما يستوجب لقاء آخر، إلا أن هذا الأمر لم يفت مؤيدى إسرائيل فى واشنطن، خاصة أنه يأتى ضمن سلسلة من تصرفات إدارة أوباما التى يرون فيها توجهًا جديدًا لا يرتاحون إليه ويشمل عدة أشياء تم رصدها منذ توليها السلطة ومنها: ■ حديث نائب الرئيس الأمريكى، جو بايدن، أمام مؤتمر منظمة إيباك، كبرى جماعات الضغط اليهودية فى الولاياتالمتحدة. فهو طالب إسرائيل بالعمل على تحقيق حل الدولتين، مع وقف بناء المستوطنات و تسهيل حركة الفلسطينيين. ■ ما نقله مسؤول أوروبى التقى مؤخرًا مع مستشار الأمن القومى الأمريكى، جيمس جونز، الذى قال له إن واشنطن ستكون أكثر صرامة فى تعاملها مع إسرائيل عما كانت عليه تحت إدارة بوش، بل ونقلت تقارير صحفية قوله إن واشنطن ستبنى تحالفًا يضم الدول العربية والأوروبية للضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات فى المفاوضات مع الفلسطينيين. ■ المفاجأة الكبرى كانت فى لقاء رئيس هيئة موظفى البيت الأبيض، رام إيمانيويل، وهو يهودى، بعدد من ناشطى منظمة «إيباك»، حيث قال لهم صراحة إن جهود وقف البرنامج النووى الإيرانى ترتبط بتقدم محادثات السلام مع الفلسطينيين. وقد حاول إيمانيويل التخفيف مما نقل على لسانه بالقول إن التقدم على المسار الفلسطينى سيجعل من الأسهل حشد تأييد الدول العربية المعتدلة فى مواجهة البرنامج النووى الإيرانى. ورغم أن هذا الكلام يبدو منطقيًا، فإنه لا يلقى هوى الإسرائيليين الذين يريدون أن يكون الارتباط عكسيًا، بمعنى أن وقف إيران هو الشرط الضرورى لتحقيق تقدم فى عملية السلام. هذه الرؤية العكسية لطبيعة الارتباط بين القضيتين هى مثار القلق لدى مؤيدى إسرائيل. ■ وقد جاء كلام مساعدة وزير الخارجية، روز جوتيموللر، بشأن توقيع كل الدول ومن بينها إسرائيل على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية كهدف أمريكى، ليهدم أحد ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية فى التعامل مع هذا الملف الشائك منذ عهد الرئيس جونسون بأن تبقى إسرائيل على سياسة الغموض النووى مقابل صمت واشنطن أو حمايتها الدبلوماسية للبرنامج النووى الإسرائيلى. إن واشنطن أوباما لم تعط خصوصية لإسرائيل، ولم تميزها كدولة «ديمقراطية مسؤولة» عن دول مثل إيران وباكستان أو الهند، أو تربط فتح هذا الملف بتحقيق السلام فى الشرق الأوسط أولًا، كما ذكر لى مارتن إنديك، عندما كان مساعدًا لوزير الخارجية. ■ هذه اللفتات غير الودية تجاه إسرائيل، تأتى بينما لا يتوقف أوباما عن إشاراته الإيجابية تجاه العرب والمسلمين وآخرها الإعلان عن زيارته المرتقبة لمصر وحديثه التاريخى إلى العالم الإسلامى. وتقديرى أن علاقات واشنطن مع إسرائيل ستتأرجح بين التباعد والصدام، اعتمادًا على أمرين: الأول هو مراهنة البعض على مايصفونه بالطبيعة البراجماتية لنتنياهو وليبرمان، أما العامل الآخر المهم فهو موقف الجالية اليهودية الأمريكية القوية، والمنافسة المحتملة بين نتنياهو وأوباما على كسب تأييدها. فأوباما سيعتمد على تأييد اليهود له بشكل عام «حصل على 80% من أصواتهم فى الانتخابات الماضية»، كما أن أغلبيتهم تؤيد توجهه بإقامة دولة فلسطينية، أما نتنياهو فسيعتمد على احتشادهم خلف إسرائيل وقت الأزمات بصرف النظر عن الخلاف معها فى الرأى، خاصة أن إيباك التى تميل لليمين الإسرائيلى لا تزال هى الصوت الأقوى مقارنة بالجماعات اليهودية الأكثر ليبرالية واعتدالًا فى نظرتها لمستقبل المنطقة. كيف يمكن لمصر والدول العربية إذن أن تتعامل مع كل هذه التحولات لتوظفها لصالح قضاياها؟ هذا ما يحتاج إلى مقال مستقل.